قبل أن تقرأ:
لا أنت فى حاجة إلى أن أخبرك بأننا هنا كتابا وقراءً وجريدة ضد العنف بكل أشكاله وصوره، ولا حاجة لك بتأكيد مسبق على تثمين كل جهد حقيقى وصادق وواقعى لنبذ العنف ورفضه، كما أنك لا تحتاج إلى أى تأكيد على التطور الملحوظ والمحمود فى أداء شباب تيار الإسلام السياسى الفكرى الداعم للاندماج فى المجتمع ومحو بقايا تاريخ العنف الذى صنعه الكبار فى الماضى القريب، لا ذنب هنا لشباب تيار الإسلام السياسى الباحث عن ممارسة سياسية سلمية وغير عنيفة فيما جناه الكبار فى قديم السنوات، أو يواصل الكبار زرعه اليوم بتصريحاتهم المندفعة عبر الفضائيات.. وفى ضوء كل ما سبق وفى ضوء الرغبة الحقيقية الواضحة فى نفوس شباب جماعات الإسلام السياسى لرفض العنف لابد أن ننظر بجدية وبعيدا عن الشعارات والمجاملات الرنانة إلى مليونية الجماعة الإسلامية التى شهدتها الشوارع القريبة من حديقة حيوان الجيزة أمس.
بارك الله فى الإخوة القائمين على إدارة شؤون الجماعة الإسلامية وحزبها، أدركوا بحاستهم السياسية والاجتماعية البارعة أن الشارع المصرى يعانى من الملل والاكتئاب، ولاحظوا أن قطاع السينما بخيل فى إنتاجه الكوميدى، فقرروا فورا أن يرسموا البسمة على وجوه أهل المحروسة بأقوى أفلام الكوميديا التى تم عرضها أمس بجوار حديقة الحيوان تحت شعار «إرهابيون ضد العنف».. شوفت الحلاوة!!
شوفت عظمة مصر يا جدع.. العظمة تكمن هنا.. فى دعوة الأشخاص أصحاب التاريخ الدموى لمليوينة نبذ العنف ورفضه.. وتتضاعف العظمة وتتضخم حينما تكتشف أن الجماعة التى يهددنا كل يوم أحد أبرز زعمائها عاصم عبدالماجد بشلال من الدم والعنف وميليشيات كامنة فى الصعيد جاهزة لصد العدوان وإشعال البلد نارا لحماية الرئيس ودرء مفاسد العلمانيين والليبراليين الوحشين.. هى هى نفسها الجماعة التى دعا أعضاؤها الآلاف من أبناء التيار السلفى لنبذ العنف بجوار حديقة الحيوان دون أن يخبرنا أحدهم كيف يرى دعوات التكفير والتنفير التى تنطلق مساء كل ليلة عبر شاشة الحفاظ ورفيقاتها من الفضائيات الدينية.
دعوة الجماعة الإسلامية لمليونية نبذ العنف تثير من الضحك أكثر مما تثيره من التأمل، كيف تصدق دعوة نبذ العنف من جماعة مازال قادتها يهددونا كلما حدثت اشتباكات أمام قصر الاتحادية أو فى ميدان التحرير.. إذا كنتم تريدون العنف.. فأنتم لن تتحملوا عنف الجماعات الإسلامية والجهاد وأفراد الإخوان الغاضبين؟
لن أسقط فى فخ حسن الظن، وأنت يجب عليك ألا تفعل، لأن هؤلاء الذين يدعون لنبذ العنف رغبة فى المزايدة على المعارضة هم أنفسم الذين لم يرحموا مصر كلها وخرجوا من باطن الأرض يدفعهم الغدر وتغذّيهم أفكار سوداء ليقتلوا السادات ومن بعده مئات الأبرياء والأطفال، رصاصاتهم التى استقرت فى صدر الرئيس الراحل لم تقتله فقط بل حوّلت يوم الانتصار إلى عزاء، وجعلت من المنصّة مسرح جريمة، بعد أن كانت ساحة انتصار، لهذا لا يمكن أن نسامحهم أبدا.. فنحن لا نسامح القتلة.
لن نسامح خالد الإسلامبولى وعبدالسلام فرج وعطا طايل وعباس حسين وعبدالحميد عبدالسلام وعبود الزمر، وكل من شارك بالقول والفعل فى جريمة السادس من أكتوبر سنة 1981، ليس فقط لأنهم غدروا بالرجل يوم انتصاره، ولكن لأنهم فتحوا الباب لطوفان من الدم والعنف لم نتخلّص منه إلا قريبا، أسّسوا لنوع جديد من نشر الإسلام - كما يقولون - ما زالت آثاره عالقة فى أذهاننا حتى الآن، بل تزورنا بعض قنابله من حين لآخر فى الحسين وأمام الكنائس ووسط شرم الشيخ، فهم لم يقتلوا السادات فقط بل اعتمدوا السلاح من بعده وسيلة للتفاهم، وصاروا أبطالا وقدوة لشباب جماعتهم الذين نشروا فى أرض مصر الإرهاب، ونشروا فى أرض العالم صورة مشوّهة وشريرة للإسلام، فما نعانيه الآن وما عانيناه فى التسعينيات والتهديدات التى نسمعها الآن من حين إلى آخر ليس مقطوع الصلة بمجموعة خالد الإسلامبولى وعبود الزمر وما فعلته أمام المنصة، ولهذا لا يمكن أن نسامحهم أبدا حتى وإن عاد تلاميذهم بعد كل هذه السنوات ليعترفوا بخطئهم، ويطلبون لهم العفو والغفران، حتى وإن اعترف محاموهم وأبناء جماعتهم بأنهم تحرّكوا نحو المنصة بقنابلهم مدفوعين بحبّ مصر والغيرة على الإسلام.
إنهم قتلة ولا شىء آخر حتى وإن كانوا مجرد عرائس ماريونيت حرّكتهم أيادى مؤامرة أكبر منهم كما يعتقد البعض.. جناة على مسرح جريمة مازالت تفاصيل أحداثه غامضة ومريبة، ويداعبها الكثير من الشك، ربما لأن كثيرين يرفضون فكرة أن رئيسهم تمّ اغتياله بين أولاده ورجال قواته المسلحة وحرسه بهذه السذاجة المفرطة وكل هذا العبث، أو ربما لأننا اعتدنا فى مصر ألا نصدّق كل ما تقوله الحكومة دائما.
حدث ما حدث وشارك السادات فى اغتيال نفسه حينما منح التطرّف فرصة للظهور والانتشار مثلما يحدث الآن، ونشاهد بأعيننا قتلة آخرين مثلهم مثل السابقين، ولكن فى المراحل الأولى.. ضحايا لأفكار دينية متطرّفة عادت لتنتشر فى شوارعنا الآن، كما تنتشر النار فى الهشيم وتستعد إلى أن تحيلنا إلى ضحايا كما فعلت فى السادات سنة 1981، وفعلت فينا من بعد ما سالت الدماء فوق المنصة!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة