لم يعد هناك معنى للكثير مما نعيشه، صار العبث هو سيد الموقف باتت الكلمات ضنينة ولا تستطيع أن تعبر عما يحدث فى بر مصر، كتبت هذين المشهدين من وحى جنازة بائع البطاطا عمر صلاح، وخبر تعيين عمر ابن الرئيس محمد مرسى بمرتب 38 ألف جنيه بالشركة القابضة للمطارات والملاحة الجوية، مات عمر لأن والده لم يستطع أن يصنع له مستقبلا، وعاش عمر آخر لأن نفوذ أبيه فتح له الأبواب المغلقة.
مشهد 1
«نهار خارجى» على باب المسجد وقف عدد من بائعى البطاطا والترمس واللب والسودانى، بعرباتهم وبضائعهم، عيونهم مليئة بالدموع، يخرج جموع من الناس يحملون نعش عمر، ويهتفون الله أكبر الله أكبر، والد عمر يتقدم المشهد، وينحنى على نعش ابنه، مقبلا رأسه، ويتمتم بجمل تتداخل معا من كثرة البكاء، ولكن يصل صداها إلى آذان البعض، مع السلامة ياضنايا ياسندى، خدوك منى بدرى يابنى سامحنى كان نفسى أفرحك، حقك علىَّ يا عمر أنا اللى رميتك بدرى فى الشارع، أنا اللى شيلتك الهم يابنى، أعمل إيه يابنى بس العين بصيرة والأيد قصيرة. الأب يجذب النعش ويجلس بجواره أصوات وهمهمات كثيرة للناس من حوله، يحاولون مساعدة الأب على الوقوف ورفع النعش من جديد وبعضهم يردد وحد الله ياحاج وحد الله دا أمانة وربنا استردها.
الأب يحاول أن يتماسك ويهم بالوقوف، تجذبه بعض الأيادى من الحضور، وآخرون يسندونه ليقف على قدميه ويسير الأب متصدرا المشهد، الكاميرا ترصد تفاصيل المشهد، وعربات الباعة الجائلين وهى تفسح الطريق لحملة النعش، أصوات البكاء والنحيب لا تنقطع، وهناك من قاموا برسم صور لعمر ويرفعونها عاليا، ويهتفون لا إله إلا الله الشهيد حبيب الله.
عربات الترمس جميعها وقد شكل أصحابها وجها يشبه عمر بحبات الترمس، واحد من الباعة–طفل صغير–يصرخ مع السلامة يا صاحبى مع السلامة ياعمر مش هسيب حقك ولا بعد سنين، المشهد المهيب يسير، ويتجه صوب ميدان التحرير، بعض المارة ينضمون للجنازة، أصحاب المحال والواقفين أمام المحال يتابعون المشهد، بعضهم يردد الفاتحة ويدعى على من قتلوا الطفل، سيدات يبكين، وسيدة تردد لا إله إلا الله ربنا يصبر أمك.
مشاهد فوتومونتاج سريعة من وجهة نظر الأب يتذكر يوم ميلاد عمر ابنه وفرحته به، اللحظة التى خطا فيها عمرو فى منزلهم المتواضع، عمر وهو يخرج بصحبة أبيه لأول مرة يساعده فى بيع البطاطا، اليوم الأخير الذى خرج فيه عمر وهو يدفع عربة البطاطا بمفرده وينظر لأبيه النظرة الأخيرة كأنه يودعه، صوت عمر يرن فى أذن والده قائلا بضحكة: «معسلة قوى يا بطاطا».
قطع متوازى
مدخل إحدى الشركات الكبيرة الفخمة علامة مميزة للمكان، سيارة فارهة تتجه ناحية الباب، ينزل منها شخص يجلس فى المقعد الأمامى، بمجرد أن نراه نعرف أنه حارس، فهو ضخم الجثمان ويحمل سلاحا فى جانبه، يسرع بفتح الباب الخلفى وينزل منه شاب فى بداية العشرينيات، تبدو عليه علامات الثراء ملابس مميزة، ونظارة شمسية ويمشى بغرور شديد، الأبواب جميعها تفتح فى حركة سريعة، ولا نسمع سوى جملة واحدة: «اتفضل ياعمر بيه».
فى داخل الشركة يلاحظ الموظفون تلك الحركة غير العادية، موظف يسأل زميلا له: هو فى إيه؟ فيرد عليه الآخر بصوت خفيض دا عمر بيه ابن....؟؟ الموظف يصمت ويتمتم ياسلام، ويسأل هو جاى يعمل إيه، الموظف يرد هيشتغل فى تلك اللحظة.
يمر عمر بيه وينظر للموظف بطرف عينيه نظرة متعالية، الموظف يبلع ريقه ويصمت تماما، صوت المدير يأتى من آخر الطرقة مرحبا: أهلا أهلا عمر بيه نورت الدنيا مكتبك جاهز وكمان طلبتلك العصير، عمر بيه يسير فى خيلاء كمن يشعر أن الكل يأتمر بأمره، ويتقدم بخطوته والمدير الذى يصبح وراءه منكس الرأس.
قطع
والد عمر أمام المقبرة، يحمل ابنه ويتجه به داخل المقبرة
قطع متوازى
عمر بيه يجلس وراء مكتبه ويضع رجله فوق المكتب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة