يقولون إن «بيت المهمل يخرب قبل بيت الظالم» فما بالكم إذا كان حارس البيت مهملا وظالما ومتواطئا ومشبوها ويعمل ليل نهار على خراب مصر؟ لا شىء جديدا، ولا شىء يسر، آثارنا تهدم كل يوم وتسرق كل يوم وتنهب كل يوم وتدمر كل يوم، ولا أحد يحرك ساكنا، منذ أيام قليلة مضت سرق منبر جامع قايتباى، فهل فعل أحد شيئا؟ وهل انتفض مجلس الشورى الذى يحل الآن محل مجلس الشعب من أجل هذه السرقة المشينة المحترفة؟ وهل بكى أحد على التاريخ المسكوب فى بئر التواطؤ؟ وهل اعتذر أحد المسؤولين عن إهماله؟ وهل تقدم الوزير باستقالته؟ وهل شعر أحد بشىء من الأساس؟ يؤسفنى أن الإجابة عن كل هذه الأسئلة واحدة، هى لا، ثم لا، ثم لا. لا تعنى هذه السرقة شيئا عن صناع القرار ولا المسؤولين، فمن أمن العقاب أساء الأدب، ومن أمن المحاسبة أساء العمل، ولو كان ذلك السارق الشهير الذى استولى على منبر قانيباى الرماح الآن فى السجن لخاف غيره من المصير المحتوم، لكن من غرق حتى أذنيه فى تمرير خطة أخونة الدولة واستعباد شعبها لا يضع فى حسبانه تاريخ هذا الشعب، ولا إنجازاته، فقد مرت هذه السرقة كسابقتها، وستمر غيرها كسابقيها، من دون أن تهتز شعرة واحدة فى رأس كرامتهم الوطنية الصلعاء. سرق جامع قايتباى، مثلما سرق من قبل مسجد داوود باشا، مثلما سرق من قبل منبر قانيباى الرماح مثلما سرق غيرهم عشرات المساجد الإسلامية التى لا تجد أحدا يدافع عنها ليحمى شموخها القديم أو يستر هوانها الحديث، والغريب أن فى كل مرة تتم سرقة أحد الآثار الإسلامية تنشب نفس المعركة، فوزارة الآثار تدعى أنها غير مسؤولة عن الأثر لأنه فى حوزة الأوقاف، بينما وزارة الأوقاف تنفى مسؤوليتها عن السرقة بحجة أن سيادتها على المساجد منقوصة، ولأن الأمر ليس بجديد، فقد تعاقدت الآثار والأوقاف منذ زمن مع شركة خاصة لحماية الآثار، لكن يبدو أن هذا الاتفاق لم يتم، وحتى لو كان تم، فلم أكن لأتوقع أن يقف نزيف الآثار، وكل ما هنالك أنه سيكون لدينا «طرف ثالث» تلقى عليه الحكومة آثامها، ولست أعرف ما المانع من أن نخلى هذه المساجد المعرضة للسرقة دوما من الآثار المنقولة، خاصة أن هناك حالات كثيرة شبيهة لهذه الحالة، فقد تم إخلاء مسجد السلطان حسن من كل المشكاوات الأثرية الراقية حفاظا عليها، وتم وضع مشكاوات مقلدة مكانها، فأى حجة بلهاء تلك التى تدعى أن نزع الآثار المنقولة يضر بالشكل الجمالى للأثر؟ وهل سرقتها لا يضر بالآثار نفسها؟ وأى حجة عقيمة تلك التى تدعى أن الوزارة لا تقدر «ماديا» على صنع قطع مطابقة للقطع الأصلية التى سيتم الاحتفاظ بها فى المتاحف والمخازن المؤمنة؟ فهل المطلوب أن تسرق كل الآثار الأصلية لنضع مكانها - مرغمين - نماذج مقلدة؟ لو كانوا مصريين حقا لما فرطوا فى آثار هذا البلد بمثل تلك الروح الخانعة المتواطئة، ولو كانوا إسلاميين حقا لبذلوا كل ما فى وسعهم للحفاظ على مساجدنا الشامخة التى مازالت محتفة بأنفاس علماء الإسلام على مر العصور، فالآثار هى دليل وجودنا، ودليل تحضرنا، ودليل ريادتنا، ودليل جماليتنا، وسرقة أثر نادر لا تقل جسامة عن قطع جزء من جسدك، لكن عزائى أن الموتى لا يشعرون.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة