لم أكن من المرحبين بتولى الفريق السيسى مسؤولية وزارة الدفاع، وكنت أرى أن توليه فى مثل هذه الظروف ملىء بعلامات الاستفهام، ولم أكن مقتنعاً أيضاً بتلك الروايات الإخوانية عن بطولة مرسى فى إقصاء حكم العسكر لأنى كنت أعرف أن «إقصاء» حكم العسكر لا يعنى إبعاد «طنطاوى وعنان» فحسب وإنما يعنى إعادة هيكلة الجهاز الإدارى للدولة الذى أصبح خلايا عسكرية وفرض سيطرة القانون على الجميع، وإنهاء حالة الازدواجية القضائية التى نعيش فيها خاصة فيما يتعلق بالممارسات المدنية، كما يعنى إعادة صياغة العلاقة الشائكة بين الجيش والدولة على نحو صحيح، بحيث يكون الجيش «جيش الدولة» ولا تكون الدولة «دولة الجيش».
كذلك كنت أرى أن تصوير الإطاحة بالمشير طنطاوى على اعتبار أنه انتصار إخوانى عبث فى عبث، وقد دارت مناقشة طويلة متشابكة بينى وبين أحد «شباب كتاب الثورة» المعروفين حول هذا الأمر، وقد كان من المتحمسين لمرسى آنذاك معتبراً أنه حقق انتصاراً حقيقياً على العسكر، فسألته سؤالين قال لى بعدها متهربا من الإجابة، لا الموضوع ده هيحتاج قعدة، كان السؤالان هما: إن كان مرسى أقصى العسكر فعلاً فلماذا حصن طنطاوى من المساءلة بمنحه قلادة النيل؟ وإذا كان مرسى هو فعلاً من اختار السيسى لقيادة وزارة الدفاع بعد كارثة قتل جنودنا فى رفح فلماذا عين السيسى «تحديداً» وهو أحد المسؤولين عن هذه الكارثة إن لم يكن أولهم، باعتبار أنه كان يشغل وقتها منصب مدير المخابرات الحربية والاستطلاع؟
بناء على ما سبق كنت من المتشككين فى مسألة تعيين السيسى وزيراً للدفاع، وفى الحقيقية فإنى وقتها لم أكن قد تخلصت بعد من «فوبيا العسكر» التى سببها لنا طنطاوى بممارساته القمعية، لكن فى الحقيقة أيضاً فقد أثبت السيسى جدارته بالمنصب يوماً بعد يوم، وذلك عن طريق تبنيه سياسية «محترمة» فى قيادة الجيش المصرى وإعادة الثقة إليه بعد أن ساءت العلاقة بينه وبين الشعب، وهذه المهمة «العظيمة» واجب وطنى قام به «السيسى» بمهارة يحسد عليها، فلا أعتقد أن هناك مصريا يريد أن تظل علاقة الشعب بجيشه على هذا النحو من التوتر، أضف إلى ذلك ما قام به السيسى من إجراءات حافظت على ماء الوجه الوطنى بوعى سياسى واستراتيجى عال، وذلك عن طريق إصدار قانون التملك فى سيناء، وإفساد خطة الإخوان لتسييس وزارة الدفاع، والسماح بترشح الهاربين من الخدمة الوطنية إلى المجالس التشريعية، وحرصه الدائم على حل المشاكل الطارئة بنفسه بطريقة دبلوماسية وحميمية فى آن، بالشكل الذى يجعله محافظاً على هيبة المنصب، فلا يتدنى لطارئ ولا يتعالى عن أزمة، كما أنه حرص على أن يظهر فى صورة القائد الميدانى الذى يشارك الجنود أتعابهم وهمومهم وتدريباتهم، وفى هذا رسالة واضحة لكل متهاون أو متراخ فى الداخل، ولكل طامع أو حاقد فى الخارج.
من أجل هذا تغيرت وجهة نظرى فى شخصية السيسى، بعد أن رأيت منه ما يستحق الإشادة والثناء، وقد عبرت عن هذا التغير فى مقالات سابقة، برغم أنى أخذت عليه حرصه على محاكمة المدنيين عسكرياً، لكن للحق أيضاً فإن الإخوان وحزبهما وحلفاءها يتحملون مسؤولية هذه المشكلة كما يتحملها السيسى، وإجمالاً فقد ظهر السيسى فى صورة «الرجل المناسب فى الزمان المناسب والمكان المناسب» ولهذا أعتبر فكرة الحديث عن إقالته وإشاعتها دربا من دروب العبث فى أمننا القومى، وتخريبا للعلاقة بين الجيش والشعب مرة أخرى، لتكرار سيناريو إعادة تبعية مؤسسات الدولة إلى النظام، وهذا ما لا يجب أن نسكت عليه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة