أختتم ما بدأته فى الأيام الثلاثة الماضية فى قراءة كتاب «الخروج من بوابات الجحيم - الجماعة الإسلامية فى مصر من العنف إلى المراجعات» للباحث ماهر فرغلى، الذى قضى 13 عاما فى السجن لانتسابه إلى الجماعة.
القيمة فى قراءة تجربة ماهر فرغلى، أنها لا تجتر ذكريات الدماء التى سالت فى الماضى، ولا التذكير بها لأغراض سياسية خبيثة، فنحن أمام جماعة نبذت العنف، ويتحدث قادتها عن «شرعية الصندوق»، بعد أن كانوا يحرمونه فى الماضى، وهذا تطور إيجابى.
قيمة قراءة التجربة، أنها تنتقد وتفند «فكر العنف»، فى توقيت نجد فيه أصواتا مازالت تسىء تأويل النص الدينى، واستدعاء هذا التأويل للتحريض على الاغتيال، وبينما ترفض أحزاب قوى الإسلام السياسى ذلك، تبقى الخطورة فى اقتناع «فرادى» بهذا الفكر، فيقدمون على العنف بقناعة أنه الطريق إلى الخلاص، وسلم الصعود إلى الجنة.
من هنا تأتى أهمية قراءة «الخروج من بوابات الجحيم»، الذى يستخلص صاحبه عدة دروس هامة، أبرزها قوله بأنه إذا كانت الجماعة والأحزاب ستجد تأصيلا شرعيا لنفسها يبيح لها الوجود.
فإن ذلك لا يدفعها إلى أن تكون نسيجا آخر يختلف عن المجتمع يحاول أن يتميز عنه ويتسامى عليه.
ويتحدث «صاحب الكتاب»، عن أنه مهما بلغت حدة انتمائنا فلابد ألا تجعلنا نصل إلى درجة استئصال الآخر، لأن الإسلام كفل حرية الاختيار وحرية العمل، فلا بأس أن يتبنى الإنسان رأيا معينا، وأن يختار ما يراه مناسبا، ولكن أن يعتبر ذلك هو حكم الإسلام الأوحد، وأن ما عداه هو الباطل والضلال فهذا هو الخطأ بعينه.
كما يستخلص «فرغلى» من تجربته التأكيد على أن عدم التثبت من صحة بعض النصوص أو الالتباس فى فهمها، ووضعها فى إطار غير إطارها أو تأويلها وتحميلها فوق ما تحتمل، يؤدى إلى فقه نصوصى غير محكوم بمقاصد الشريعة.
وهو الذى جعل بعض العاملين يضعون أحكاما نهائية للعلاقة بين الأمة وسائر الأمم قائمة على المواجهة وآية السيف التى يقول عنها سيد قطب أنها نسخت 124 آية طلب الله فيها من المسلمين القتال.
ينقلك «الكتاب» إلى رؤية أخرى متقدمة عن موقف الإسلام من الحضارات الأخرى، فالإسلام لم يقر مبدأ الاعتراض على الجهد البشرى النافع غير المتصادم مع الثوابت، فلابد من امتلاك الشجاعة فى التعامل مع الآخر بحضارته وثقافته، طالما أنها لا تصطدم مع ثوابت العقيدة، فالانغلاق على ثقافة واحدة والرعب من ثقافة الغير واعتبارها غزوا فكريا يجب محاربته هو خطأ فادح، فالمجتمع المسلم لا ينعزل.
ثار الجدل كثيرا حول حق المواطنة لغير المسلمين، ويتحدث ماهر فرغلى عن هذه القضية.
قائلا إن تفاضل الإيمان والتقوى لا يؤثر فى مبدأ المساواة والعدالة فى الشريعة والمواطنة فى الحقوق والواجبات، ومن أهم الأدلة التى تؤكد السمو فى ذلك، أن الإمام مالك والليث بن سعد والإمام أبوحنيفة وأصحابه ذهبوا إلى أن المسلم إذا قتل ذميا فإنه يقتل به، واستدلوا بفعل سيدنا على حيث أمر بقتل رجل مسلم قتل رجلا من أهل الذمة، قائلا: «من كانت له ذمتنا فدمه كدمائنا».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة