فاطمة خير

عن الأيام السودة وفوايدها

الثلاثاء، 26 فبراير 2013 12:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقول المثل الشعبى المصرى: «ربنا يخليكى يا شدة، عرفتينى عدوى من حبيبى» أدرك المصريون بفطرتهم ذات السبعة آلاف عام، أن الأيام الصعبة، تقوم بعملية فرز للمحيطين بك، تجعلك تعرف فى ذلك الوقت الصعب من هو عدوك، ومن هو حبيبك، لذا فإن ليس الصعب كله شرا، بل إن بعضاً منه «وأحياناً أكثره» يكون خيراً.

تبدو وكأنها فلسفة فى الوقت الضائع، لكنها وبرغم قسوتها، حقيقة مؤلمة، كغيرها من حقائق الحياة، حقيقة لا يدركها الإنسان إلا بعد فوات أغلب عمره، وربما لا يدركها أبداً فتورثه عبثاً فى استقبال الحياة، ويظل يسأل نفسه: لماذا؟ سؤال يظل بلا إجابة طالما لم يغير الإنسان الزاوية التى يقف فيها وينظر منها، فيما حياته تمضى بتجاهلٍ تام لسؤاله المستمر/الأبدى.
ومصر، ذات السبعة آلاف عام، يبدو أنها كانت فى حاجةٍ ماسة إلى الأيام الصعبة، وكأنها الحل الوحيد، لتخرج المسكينة من مواتٍ كاد أن يقضى عليها كما عرفها التاريخ، ولمِا كاد؟ هو بالفعل محى صورتها التى عرفناها ونحن صغار، صورة مصر التى ندرك أنها وطننا، مصر التى يقدرها العالم ويحبها ويمنحها إجلالاً، غاب وغابت قيمتها عن أبناءٍ لها فهانت عليهم العظيمة.. هانت.

الأيام الصعبة طولت قوى.. صعب علينا تحملها، لكن لا فرار من قدر، هو اختبار لمن يصلح للحياة. من يستحق أن يعيش داخل حدود المحروسة؟ ومن لا يستحق؟ من يستحق أن تعيش المحروسة فى قلبه؟ ومن لا يستحق؟

كنت أخشى على مصر أن تضيع للأبد، شهوراً طويلة مضت وأنا أعيش القلق ذاته يكاد يقتلنى، وقبلها بسنوات كنت أنتظر هذهِ اللحظة، لحظة الصدام الذى سيؤدى إلى المجهول، ولكن كما يقول المصريون أيضاً: «وقوع البلا.. ولا انتظاره»، حصل المقدر والمكتوب، وحان المخاض، صحيح هو طَوِل شوية.. لكن لا بد من نورٍ فى نهاية النفق، نورٌ هو ذاته أصل الحياة، وأصل الحقائق، وسر الوجود.

سفينة نوح فى الانتظار، لكن نوح هذهِ المرة لن يختار من يصعد إليها، الاختيار هو فعل الناجين للمرة الأولى والأخيرة، من يدركون أن السفينة ستغادر لابد أن الحياة على سطحها لمن يحسن فعل النجاة، لمن يحمل داخله بذرة الحياة، لتنمو فى زمن آتٍ، من يكون فى حد ذاته إضافةً للعصر القادم، من تعلم من «الأيام السودة»، وعرف أن بعد الليل لابد نهار.. لمن يبصر.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة