كانت هذه الكلمات عبارة عن "هاشتاج" تم عمله على موقع "تويتر" منذ أيام، ولاقى رواجا بين نشطاء وثوار لم تمض شهور على هتافهم الشهير "يسقط حكم العسكر"، و"الهاشتاج" لمن لا يعرف معناه هو مصطلح معروف على موقع تويتر يُقصد به عنوان أو رأس موضوع نقاشى يكتب المشاركون بجواره ما يشاءون من تغريدات وتعليقات سواءً بقبوله أو رفضه، وحوله تدور الحوارات بين النشطاء الذين يُعد "تويتر" من أهم المنتديات التى تجمعهم. هذا العنوان بالذات كان صادما، ولم أتصور قط أن أجد إلى جواره تعليقات إيجابية، نظرا لاستفزازه الشديد وقسوة كلماته التى رأيت فيها امتهانا لكرامة من يقبلها؛ إذ إنه ليس من الطبيعى أبدا أن يعشق إنسان حذاء إنسان آخر، فضلا أن يكون هذا الحذاء "بيادة" ارتبطت فى الأذهان على المدى القريب بمشهد دهسها لمواطنة مصرية أو تقافز أحد منتعليها على بطن مصرى آخر. لكن المفاجأة والصدمة كانت تكمن فى رد فعل لم أكن أتوقعه. لم يعم الرفض والاستهجان جميع من تلقوا العبارة كما كنت أتصور. لقد تلقاها البعض بالقبول ورحبوا واحتفوا بها، وأبدوا بالفعل عشقهم للبيادة. والمدهش أن منهم من كان يهتف منذ شهور ضد حكم العسكر!
لقد فوجئت بتعليقات من نوعية "البيادة هى الحل! ومالها البيادة؟! شفنا إيه سىء من البيادة؟!" إلى آخر تلك العبارات التى تسوغ لصاحبها عشقه للبيادة وتبرر له رغبته فى عودة الحكم العسكرى. ورغم وجود من ثبتوا على مبادئهم ولم تدفعهم الصراعات السياسية إلى الكفر بقيمة الحرية التى خرجنا يوما ننافح عنها، إلا أن الأمر يبدو مؤسفا حين توضع تعليقات عاشقى البيادة جنبا إلى جنب مع الحالة الإعلامية المرصودة منذ أيام، والتى تمهد بشكل محموم لقبول فكرة الانقلاب العسكرى التى يؤصل لها البعض تصريحا وتلميحا.
ظهر ذلك فى سيل من المقالات والتصريحات لصحفيين وسياسيين وإعلاميين وخبراء باتوا لا يستحيون من إبداء عشقهم للبيادة أو على الأقل عدم ممانعتهم لعودة حكم مرتديها. وكأن كل ذلك الحديث عن مدنية الدولة –المنافية لعسكرتها- والفصل بين السلطات كان مجرد شعارات. ربما يسهل على المرء أن يفسر ما يحدث من انتكاس ثورى وارتداد عن المبادئ والقيم بتفسيرات مريحة كالتآمر الفلولى، وأصنام العجوة الفكرية التى يحلو للبعض التهامها كلما جاعوا إلى السُلطة، والصراع الأيديولوجى الذى يقبل أى بديل فى سبيل إزاحة الخصوم حتى لو كان هذا البديل هو من هتف من قبل بسقوط حكمهم. لكن رغم أن ما سبق من التفسيرات قد لا يخلو الواقع منه إلا أننى أرى ألا تُحَمَّل المسؤولية وحدها، خصوصا أننى أعلم أن بعض من صار يتمنى عودة الحكم العسكرى ليسوا ممن تصح فيهم تلك التفسيرات، بل إن منهم من كان مستعدا للتضحية بكل شىء عن طيب خاطر لكى تتحرر أمته ومنهم كذلك بعض البسطاء الذين ضجوا مما يحدث فى أوطانهم، ونفد رصيد الصبر لديهم، وصاروا يريدون حلا من أى جهة حتى لو كانت الجهة التى جثم حكمها على صدورهم لستين عاما، هناك من يشارك فى تحمل مسئولية هذا التحول الفكرى والمبادئى. لابد أن نتساءل ما الذى يجعل من وقف من قبل فى مواجهة تلك البيادة ينادى اليوم بعشقها؟
ليس عن مبررات أسأل، فالأمر عندى لا يقبل التبرير، وإنما أتحدث عمن يتحمل المسئولية المشتركة فى الوضع الذى أوصلنا لهذه النقطة المؤلمة. أقول بصراحة ورأيى صواب يحتمل الخطأ: جزء من المسئولية يتحمله من لم يحافظوا على رصيد يجعل هؤلاء يتحملون ويصبرون، من لم يستطيعوا أن يَسَعُوا الجميع، وكانوا أبرع الناس فى فقدان الناس حتى المؤيدين، وتحويلهم لمعارضين، من لم يستطيعوا تقديم البديل المقنع، من لم يجذبوا الآخرين للمشاركة فى تحقيق حلم بدأ يتلاشى عن الأنظار رويدا رويدا، حتى وجد هؤلاء أنفسهم بين براثن أولئك العشاق الذين زينوا لهم عشقهم..عشق البيادات.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة