1 - تبدو الكتابة فعلا ضعيفا وعاجزا مقارنة بما يحدث من قمع وسحل وتعذيب وتعرية وكذب وتدليس، ولكنها تبقى سلاحنا الأبدى لفضح المتاجرين بالوطنية والدين وأحلام الناس، وكشف هؤلاء الذين يؤسسون لمبدأ جديد اسمه «التوازن» حتى ولو كان توازنهم هذا على حساب الحق والوطن.
الكل الآن يريد أن ينجو بنفسه من احتمالية خسارة شىء ما، ولهذا يحصّن نفسه بوهم اسمه «التوازن»، والتوازن فى عرف الخائفين من الخسارة يعنى صناعة خلطة نقدية تتضمن قليلا من الإدانة لجبهة الإنقاذ –إن كان معارضا- مع كثير من الإدانة إلى السلطة ومؤسسة الرئاسة وفيضان من الاتهامات إلى وزارة الداخلية وجهازها القمعى الذى لم ينته، أما إن كان الباحث عن التوازن من أهل السلطة فلابد أن يتلاعب بمقادير خلطة التوازن بحيث تصبح كثيرا من الإدانة لجبهة الإنقاذ، ومسحة إدانة لمؤسسة الرئاسة وبعض من الاتهامات لوزارة الداخلية وفيضان من الحديث عن مؤامرات بقايا النظام القديم والأيادى الخارجية.
يفعل أهل «التوازن» ذلك ظنا منهم أن فى ذلك منجى وطوق نجاة من خسارة تعاطف طرف ما أو تأييد جهة بعينها، ولكنهم دوما يغفلون عن أن هناك طرفا واحدا من بين كل هذه الأطراف هو الذى يملك سلطة اتخاذ قرار نافذ، وسلطة اتخاذ القرار القابل للتحقق تمنح صاحبها القدرة دون الباقين على إدارة الأزمة والتحكم فيها، وامتلاك طرف دون الباقين سلطة اتخاذ القرار والقدرة على تنفيذه عبر أجهزة الدولة التى يحكمها يشبه فى جوهره امتلاك «ولد الكوتشينة» الذى يملك وحده دون الباقين القدرة على أن يقش ويتحكم فى اللعبة.
ملخص الأمر يا سيدى أن «التوازن» والاتجاه نحو تحميل كل الأطراف المسؤولية بنسب متساوية، أمر ربما يكون مقبولا حينما نتحدث عن أطراف تتساوى قوتها وقدرتها فى التنفيذ وتحريك مؤسسات الدولة للتعامل مع الأزمة وإدارتها، ولكن الوضع المصرى مختلف تماما، لأن هناك طرف «الدكتور محمد مرسى» هو الرئيس الذى يملك كل السلطات التى تمكنه من تحريك أجهزة الدولة، بالإضافة إلى امتلاكه القدرة على الاستعانة بجماعة الإخوان المسلمين الأكثر تنظيما على الأرض، وكون الرئيس فاشل أو لا يجيد استخدام الأدوات التى بين يديها لاحتواء الأوضاع ولم الشمل، فذلك لا يعنى أبدا تحميل فشله وعدم قدرته على احتواء الأزمات قبل تفشيها إلى آخرين حتى ولو كانوا خصوما، فإما أن يثبت بالدليل القاطع أن جبهة الإنقاذ التى يتهمها بالتحريض ونشر الفوضى متورطة وبالتالى مكانها قفص الاتهام والسجون، وإما أن يكف عن الشكوى وتعليق أخطائه وقلة حيلته على شماعة الآخرين.
2 - المادة (36) من الدستور الذى وصفه الرئيس محمد مرسى والإخوان بأنه أفضل دستور فى تاريخ البشرية وتعهد الرئيس بحمايته وتنفيذه تقول: (كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته بأى قيد، تجب معاملته بما يحفظ كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاءه بدنيا أو معنويا. ولا يكون حجزه ولا حبسه إلا فى أماكن لائقة إنسانيا وصحيا، وخاضعة للإشراف القضائى، ومخالفة شىء من ذلك جريمة يُعاقب مرتكبها وفقا للقانون).. ومشهد سحل المواطن وتعريته أمام قصر الاتحادية بعد القبض عليه، يؤكد أن الداخلية خالفت الدستور ومواده برعاية وتشجيع رئاسى أقره الرئيس فى خطابه حينما منح الأمن حق استخدام القوة وفى البيان الرئاسى الذى تلاه عصام الحداد مساعد الرئيس حينما حرص على تأكيد قيام الداخلية بضبط النفس أثناء التعامل مع اشتباكات الاتحادية.. وإذا كان رئيس الجمهورية «رب البيت» للدستور منتهكا، فلا تحزن ولا تولول ولا تصرخ حينما ينتهك مجموعة من الشباب قوانين التظاهر ويلجأون لاستخدام العنف.
3 - يقول زميلنا الموهوب جدا «البراء أشرف»: ألا يشغل بالنا كيف أن قصص الضحايا كلها فيها قدر لا بأس به من المفارقات؟ شهيد الأمس بارك لـ«مرسى» يوم وصوله إلى الحكم، وكان أحد منتخبيه، والشهيد الذى يسبقه كان مديراً لإحدى الصفحات السياسية على الإنترنت.. وجدوا فى ملابس شهيد اليوم ورقة فيها «أريد جنازة مثل جيكا».. و«جيكا» كتب على صفحته على «فيس بوك» الشهادتين، وقال إنها ربما تكون المرة الأخيرة، وقد كانت.. لكل شهيد عدة صور جميلة، يتم نشرها فور رحيله.. بالشارة السوداء الشهيرة على الجانب الأعلى منها، صور، تشعر كأنها صورت خصيصاً كى تنشر وتحتها عبارة «البقاء الله».. يبتسم بطلها ابتسامة، لن تجد صفة تلائمها إلا أنها «ابتسامة شهيد».
وراء كل شهيد قصص وصور، تصلح تماماً كى يكتمل المشهد وتكتمل المأساة.. هل يوجد تفسير؟ أبداً.. فقط، راجع يا عزيزى قصتك وصورك.. وستجدها ملائمة أيضاً.. نحن لا نفقد أطهر ما فينا.. نحن فقط.. نفقد أشخاصا يشبوهننا تماماً.. نحن على ما يبدو.. نفقد أنفسنا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سمسم
نرجو الأمانة في العرض
عدد الردود 0
بواسطة:
م / أحمد
أشوفك شهيد إن شاء الله