لو أن واقعة سحل المواطن «حمادة» وتجريده من ملابسه أمام ملايين المشاهدين فى العالم وقفت عند هذا الحد لاعتبرت جريمة جنائية تحمل أبعادا سياسية وتدين من فعلها من مجرمى الشرطة وتلقى بالمسؤولية المباشرة على وزير الداخلية وتلقى بالمسؤولية السياسية على من يجلس على كرسى الرئاسة، لكن الأزمة الحقيقية تجلت فى معالجة النظام لهذه القضية باضطراب نادر واستغفال مرير واستهبال غير مستساغ، وهو ما يجعلها جريمة نظام بأكمله، نظام يرى الجرم ويتجاهله، ولما يجد نفسه مضطرا للحديث عن الأزمة فإذا به يتصنع التأثر ويزايد على المعارضة، وسرعان ما يبارك تبريرات الأمن للقضية ويسمح بأن يستغل الأمن «بساطة» الرجل وتواضعه وروحه المستسلمة ليطرمخ على القضية برمتها، وهو ما يجعل القضية قضية فُجر نظام وجبروت زبانية واستعماء للشعب الصابر الذى جعله صبره مستعدا لتقبل أى سيناريو لتهدأ الأمور، دون أن يشعر أهل هذا النظام وأعوانه بأنهم بذلك السلوك الإجرامى يطيحون ببقايا آخر حجر فى جدار الثقة المنتهكة.
ولأن الانتهاك بالانتهاك يذكر، أتذكر الآن واقعة مماثلة تعرض لها أحد موظفى وزارة العدل لكن الإعلام لم يسلط عليها الضوء لأنها انتهت سريعا بنهاية مماثلة لما كان يفترض أن تنتهى به قصة «حمادة» حيث تم صفع هذا الموظف على وجهه من جانب الوزير أحمد مكى حينما اشترك هذا الموظف فى مظاهرة ضد الوزارة، ولما مر الوزير بجوار هذه المظاهرة احتد فى الكلام مع المشاركين فى المظاهرة، وتطور الأمر حتى صفع أحدهم على وجهه ومضى، فانفعل الرجل وصرخ أمام الكاميرات وقال إن الوزارة كلها شهدت على واقعة الصفع، وشهد بالفعل بعض زملائه على الواقعة أمام كاميرا فيديو «اليوم السابع»، لكن لسبب ما لا يعرفه إلا الله تراجع الرجل عن كلامه وتم التعتيم على الواقعة.
أتذكر الآن مقولة أبوبكر الصديق التى يستشهد بها مرسى فى خطاباته وهو مزهو بنفسه مطمئنا المستضعفين من المصريين قائلاً: «الضّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيّ عِنْدِى حَتّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقّهُ، وَالقَوِيّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ عِنْدِى حَتّى آخُذَ الحَقّ مِنْهُ» فهل قوى مرسى الضعيف حتى يريح عليه حقه؟ اللهم لا، وهل استضعف مرسى القوى حتى يأخذ الحق منه؟ اللهم لا أيضا، فقد أثبتت الوقائع أن الضعيف عند مرسى «أضعف» حتى يساومه على حقه، والقوى عندى مرسى أقوى حتى يساعده على طغيانه، وهذا هو الاستبداد بعينه، والذى لم يدر ببال الرائد العربى الكبير «عبدالرحمن الكواكبى» وهو يضع كتاب «طبائع الاستبداد» الذى أصبح فيما بعد ذلك أيقونة ترصد هذا المرض الذى يصيب الحكام والمجتمعات، لكنه لم يعش ليرى حكم الإخوان وما يفعلونه ولو كان حيا لكتب كتابا جديدا عن «طبائع الاستهبال».
لو كان مرسى حاكما إسلاميا كما يقول، لفعل ما فعله عمر بن الخطاب حينما اشتكى له قبطى من ابن عمرو بن العاص الذى ضربه لأنه سبقه فى سباق قائلاً: أتسبق ابن الأكرمين؟، فأتى عمر بعمرو وابنه وأمر القبطى بأن يضرب ابن ابن العاص، ولما فرع قال له زد ابن الأكرمين، ولما ضربه مرة أخرى أعاد عليه القول، حتى أتى بعمرو وخلع عنه عمته وقال للقبطى تعال واضرب على صلعة عمرو فإنما ضربك بسلطان أبيه، فأبى القبطى وقال له يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذى ضربنى وقد اشتفيت منه فالتفت ابن الخطاب إلى عمرو وقال له: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، فمتى استعبدتم الناس يا مرسى وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟