حمادة صابر بطل مزدوج، لواقعة السحل التى رآها العالم بالصورة والفيديو، ووسط الضجيج خرج حمادة ليعلن أنه لم يتعرض للضرب من الأمن، واتهم المتظاهرين أنهم هم من اعتدى عليه، وأن الشرطة أنقذته.
يبدو أن حمادة كان الوحيد الذى لم يشاهد الفيديو والواقعة، التى كان فيها رجال الشرطة يعرونه ويضربونه، وهو المشهد الذى أدانه كل من شاهده، بمن فيهم رجال الداخلية، قبل أن يخرج ليضع الجميع فى مأزق، عندما نفى ما جاء فى الفيديو، وكذب ما يصعب تكذيبه، وقال إن المتظاهرين هم الذين اعتدوا عليه، ومن حيث أراد تبرئة الشرطة، بالغ فى التبرئة ويبدو أن رجال الأمن من حيث أرادوا أن يخففوا وقع الفيديو، لم يتصوروا أن حمادة سوف يخدمهم بشكل يضيع جهود التخفيف، ويبالغ فى التبرئة لدرجة لا تصدق، الحرب حول حمادة والفيديو حرب صور حرص كل طرف فيها على أن يبدو بريئا.
هناك إدانة للعنف من كل الأطراف، وإدانة لإلقاء المولوتوف، المعارضة تدعو لوضع العنف فى سياقه السياسى، والسلطة ترى أن تبرير العنف بأى طريقة هو ضد الدولة والمؤسسات.
بالعودة إلى حمادة فهو رجل تضامن معه الناس والجمهور، لكنه بدا وكأنه يرفض التضامن، بينما أسرته سواء ابنه أو ابنته وحتى جيرانه، يؤكدون أنه تعرض لضغط من الأمن ليغير أقواله ويتهم المتظاهرين بينما الفيديو كان واضحا فيه اعتداء الأمن، حمادة رجل غلبان، عاطل وفقير، ويمكن تفهم ضعفه ورغبته فى أن يمر الموضوع بأقل نوع من الخسائر.
نحن أمام مفارقة فى كل الأحداث والمصادمات، من محمد محمود إلى مجلس الوزراء وماسبيرو، كان الشهداء دائما من المتظاهرين السلميين، مثل عماد عفت ومينا دانيال، وأصيب أحمد حرارة وفقد عينيه، بينما لم يقع أى ممن يمارسون العنف ويحرقون، وهنا يبدو الأمر وكأنه مقصود.
كاميرا واحدة لا تكفى، وفيديو واحد لا يقدم كل الحقيقة، هناك دائما نصف الحقيقة، والنصف الثانى غائب.
طوال عامين كانت هناك فيديوهات، وتسجيلات مضادة، كان كل طرف يقدم ما يبرر وجهة نظره، نرى بلطجية يحرقون، والشهداء ليس من بينهم بلطجى بل طلاب وأزهريون وأطباء ومهندسون، هناك من يلقى المولوتوف، وهناك من يسعى لإطفاء الحرائق.
كان لدى كل فريق نظرية مؤامرة خاصة به، أثناء وجود المجلس العسكرى كان هناك من يراها مؤامرة من المجلس، وكان الإخوان يرونها مؤامرة من المجلس والمتظاهرين على الانتخابات، والمجلس كان يشير إلى طرف ثالث يخطط لمؤامرة تهدم الدولة.
الآن الإخوان والرئاسة، يقولون ما كان المجلس العسكرى يقوله ويرون ما يجرى مؤامرة لهدم الدولة، فى مواجهة نظرية ترى الجماعة تسعى للسيطرة على السلطة كاملة.. الحرائق تستمر، وكاميرا واحدة تكفى لمعرفة نصف الحقيقة، والنصف الثانى مختف مع حمادة وغيره.