«المهانة» هى الكلمة المفتاح التى يمكن أن تقربنا من مشهد سحل المواطن حمادة صابر الشهير بـ«مسحول الاتحادية» وتداعياته، سواء من قبل الجهات الرسمية أو من المواطن نفسه الذى تلقى العلاج بمستشفى الشرطة وتحدث لوسائل الإعلام من موبايلات ضباط الداخلية.
المواطن المسحول خرج للتظاهر ضد رمز الدولة يأسا من ضيق الحال والبطالة وعدم القدرة على إطعام أولاده، ولأنه ليس شاباً، فى الثامنة والأربعين من العمر، لم تسعفه لياقته على مجاراة الشباب فى الكر والفر أمام الشرطة، وسقط من الغاز أو الإجهاد ليتحول إلى فريسة رأينا جميعاً كيف اندفع إليه العساكر فى غل لم يقلل منه استسلامه للركلات والصفعات والهراوات النازلة على بدنه، أو انكشاف بدنه على الأسفلت الجارح وأمام الكاميرات.
إلى هنا والمشهد يبدو مفهوما رغم إجرام المعتدين، لكن التعقيد يبدأ فور إعلان الضحية «المسحول» أن الجلاد لم يعتد عليه، بل كان المنقذ له من أيدى المتظاهرين زملائه فى الغضب. كيف حدث هذا التحول؟ كيف ارتضى المواطن المسحول أن يتنازل عن آدميته المغتالة وحقوقه المهدرة وتحت أى ظرف؟ أهو التهديد بقتله كما قال عدد من أفراد أسرته؟ أم الوعود بتعيينه فى وظيفة ومنحه شقة فى مساكن الحكومة؟
ربما تعرض المواطن المسحول للترغيب والترهيب معاً، الأمر الذى دفعه للتنازل عن حقوقه وكرامته ليتراجع عابراً النهر العظيم الذى شقته ثورة 25 يناير فى الشخصية المصرية محدثة الفارق بين ما قبلها من مهانة وذل وما بعدها من كبرياء وجرأة فى المطالبة بالحق، وهنا مربط الفرس بالنسبة للداخلية التى تحولت من الاعتذار عن الواقعة والوعد على لسان وزيرها بالتحقيق فيها، إلى إنكار الواقعة والاحتماء بنفى المسحول نفسه، رغم علم قياداتها بالفيديو الذى يسجل كل شىء ويفضح كل شىء.
الداخلية لم تراهن على «استعماء» ملايين المشاهدين لتكسب إنكاراً خالصاً للواقعة، ولكنها راهنت على إحياء جثة المهانة فى نفوس المصريين عبر تقديم نموذج المواطن المسحول الذى يشكر جلاديه على حسن رعايته وهو مشهد يذكرنا بتاريخ طويل من الإذلال تجرعه المصريون طوال عهود من استبداد المحتل الغاشم الأجنبى والمستبد الغاشم الوطنى.
فى ظنى أن رهان الداخلية خاسر، وأن المصريين رغم معاناة نصفهم تحت خط الفقر، ليس بينهم كثيرون مسحولون، وأن المواطن حمادة صابر سيتحول مرغما إلى تميمة موجة قادمة من احتجاجات كاسحة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود عبداللاه
وما من كاتبٍ إلا سيفنى
عدد الردود 0
بواسطة:
mohammed tarteer
صناعة التعري
عدد الردود 0
بواسطة:
adel
سحل بلطجى جريمه لا تغتفر وسحل وطن كمصر مسئله فيها نظر!!!!!!!!!!