هل تذكر تلك التحذيرات التى أطلقها أنصار التيار المدنى من فكرة «أخونة» الدولة ومؤسساتها؟ وهل تذكر أيضاً تلك الحالة السخيفة من السخرية من هؤلاء المحذرين والتى ابتكرها أنصار الجماعة؟ إن كنت ناسى هذه الأشياء فتعالى «أفكرك» لعل الذكرى تنفع الناسين.
فور صعود مرسى إلى سدة الحكم فى مصر انتاب الكثير من المفكرين والمثقفين هلع من فكرة «أخونة» الدولة، وذلك لسبب ربما كان غائبا عن البعض وهو عدم إدارك طبيعة التركية الإخوانية كجماعة لا تدين بالولاء إلا للمنتمين إليها، ولا تثق فى أحد إلا أتباعها، وذلك لأنهم يعتبرون أعضاء الجماعة «إخوان» بينما بقية الشعب المصرى «غير» فى تجل فج لأشد أنواع العنصرية، وهو ما أكدته تصريحات القيادى الإخوانى «صبحى صالح» التى اعتبر فيها بنات مصر «العاديات» من فئة «الذى هو أدنى» بينما بنات مصر الإخوانيات من فئة «الذى هو خير» وهذا موقف واحد تكرر عشرات المرات على مدار تلك السنة الكبيسة التى حكم فيها الإخوان منذ فوزهم بأغلبية البرلمان يؤكد فكرة «عنصرية» الجماعة والتى ترتب عليها ذلك الهلع من «الأخونة» فطبيعى على من يعتبر رفيقه فى الجماعة «خير» أن يحابيه ويتغاضى عن عيوبه ويعظم فى مميزاته، وأن يفعل العكس تماماً مع من لا يدينون بالولاء للمرشد، ناسين أن هلاك البلاد السريع يكمن فى التفرقة ما بين أبناء الوطن الواحد.
أبشرك الآن بأننا تركنا مرحلة الأخونة ودخلنا فى مرحلة «التمليك» وليس بغريب أن تصحو من النوم يوماً لتجد الجماعة وقد كتبت على بوابات مصر ومداخلها ومخارجها «ملاكى إخوان» فالشرطة أصبحت لا تدين بالولاء إلا للجماعة، ودل على ذلك حالات القتل العشوائى والمنظم لمعارضى حكم المرشد، كما دل على ذلك أيضاً حالة الهمة التى انتابت أفراد الجهاز الشرطى بعد سرقة سيارة المحافظ الإخوانى «سعد الحسينى» فقد تقمص رجال الشرطة دور المفتش كرومبو وأحضروا السيارة التى سرقت بالإكراه بعد أربع ساعات فقط من سرقتها، وهذا بالطبع لأنها تخص السيد المحافظ الإخوانى، أما بقية السيارات المسروقة والتى تعدت عشرات الآلاف، فلا حس ولا خبر ولا حياة لمن تنادى.
وكان طبيعيا وسط هذه العلاقة الحميمية الجديدة بين الشرطة والإخوان أن تراهم يتبادلان الغزل الصريح والعفيف فى أى مناسبة، وليت هذا الزواج قد وقع بين الشرطة والإخوان فقط وإنما امتد إلى بقية المؤسسات، وأصبحت ريحته العفنة تملأ الأنوف، فهذا هو السيد رئيس الوزراء الإخوانى يلبى أحلام وزرائه المنتمين للجماعة ولو كانت «لبن العصفور»، ولا يلبى مطالب بقية الوزراء ولو كانت «شربة ماء» وكما نشرت «اليوم السابع» أمس فقد امتنع هشام قنديل عن إمداد وزارة الثقافة بـ70 مليون جنيه لتدعم أنشطتها برغم معرفته المسبقة بأن الوزارة تعانى من أزمة مالية بعد استقطاع حصة المجلس الأعلى للآثار من ميزانيتها، بسبب أن الوزير لا ينتمى إلى الجماعة، فى الوقت الذى دعم فيه وزارة الشباب التى يرأسها إخوانى بنصف مليار جنيه دفعة واحدة ليساعده على النجاح ويروج لفكرة أهلية أعضاء الجماعة لقيادة البلد، وفى ذات الوقت يشوه سمعة وكفاءة الآخرين.
ولعل المشهد الذى يؤكد خطورة هذه «الأخونة» وانحرافها بالدولة هو ما شاهدناه من تخاذل مؤسسة من المفترض أنها «مستقلة» تجاه قضية سحل وقتل وتعذيب المتظاهرين، وأقصد بالطبع «المجلس القومى لحقوق الإنسان» الذى يجلس على قيادته المستشار الغريانى حسام الإخوانى، فبدلا من أن يحارب هذا المستشار عنف الشرطة، وينتمى لحقوق الإنسان التى يتوجب عليه رعايتها، صمت وتعام ولما اشتدت الأحداث أصدر بيانا تافها كاد فيه أن يحمّل مسؤولية قتل المتظاهرين إلى القتلى، ولم ينس بالطبع إرسال التحية إلى رجال الشرطة مثمنين جهودهم فى القمع والقتل والسحل، وهو ما يجعله بحق «المجلس القومى لحقوق الإخوان» وليس «الإنسان» ويجعل كابوس «الأخونة» يطبق على مستقبلنا وحاضرنا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة