د. محمد على يوسف

نبذ النبذ إقرار

الأربعاء، 06 فبراير 2013 07:18 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
خبر قد يمر علينا مرورًا عابرًا فى زحام تلك الأحداث المتلاحقة، والخطوب الجسام التى تمر بمصر، خبر كان له العديد من الإرهاصات قبله، وأعتقد أنه ستكون له الكثير من النتائج بعده، وأتصور أن ترافق تلك النتائج مسؤولية ومحاسبة،،إنه خبر إعلان محمد سامى رئيس حزب الكرامة وأحد قيادات جبهة الإنقاذ عن انسحاب الجبهة من وثيقة الأزهر.. وبغض النظر عن كون الوثائق ليست مجالس أو مناصب يُنسحب منها، ولا هى تحالفات انتخابية أو سياسية يسهل الفكاك عنها، وبغض النظر أيضًا عما حدث من انتهاك لتلك الوثيقة وبنودها يوم الجمعة الذى تلاها مباشرة، وليلته التى حدث فيها من بعض الموقعين على الوثيقة نوع من التراجع أو الـ«الحمرقة» الواضحة، التى ليست مستغربة عليهم، إلا أن ما يلفت الانتباه حقًا، هو معنى ذلك الانسحاب ودلالاته. ولكى نفهم تلك الدلالات، ينبغى أن ندرك أولاً ما الذى تنسحب منه الجبهة وتتنكر له، ينبغى أن ندرك ما هى تلك الوثيقة الأزهرية المتروكة، إنها يا سادة وثيقة قيمية أهم بنودها: «النبذ»، تلكم الكلمة التى نالت نصيبًا وافرًا من سخرية النشطاء على تويتر، وصارت «إفيه» يتضاحكون به ويتمازحون!!

والنبذ هنا هو لشىء لا أتصور أن يجرؤ أحد على قبوله أو الترحيب به، لكن الجبهة قد فعلت، وذلك فى سقطة أخلاقية وفكرية أعتقد أنها الأكبر منذ نشأتها،إذا نبذت الجبهة الوثيقة، فبالتالى هى نبذت النبذ، نبذت نبذ العنف، وكما أن نفى النفى إثبات فإن نبذ النبذ إقرار وقبول وترحاب، هذا ما تقتضيه اللغة ويمليه المنطق.. أن تنسحبوا من وثيقة صرحتم من قبل أنها مجرد التزام أخلاقى وقيمى، فأنتم بذلك ببساطة ترفضون مجرد الالتزام الأخلاقى بنبذ العنف، ما الذى يمكن أن نفهمه من هذا، إلا أنكم لا تكتفون فقط بإعطاء العنف غطاءه السياسى، وإنما تطور الأمر لديكم إلى الانسحاب من شىء ينبذه ويدينه ولو أخلاقيًا.. قولوا ما شئتم بعد ذلك من إدانات، وصُوغوا ما شئتم من بيانات، واكتبوا ما شئتم من تغريدات، تدينون بها العنف، وتتبرأون منه صوريا، فى النهاية أنتم وقعتم على التزام أخلاقى، ثم تتراجعون عنه وتنكثونه على الملأ، وتعلنون بكل وضوح على لسان أحد أهم قياداتكم أنكم تنسحبون من هذا الالتزام ثم يرد عليه رئيس الوفد نافيا فى تخبط مريب.

والحقيقة أن عدم توفيقكم هو ما ساقكم لمثل هذا التخبط أمام الأمة جمعاء، لكن الناظر لحالكم يعلم أن انسحابكم مجرد تحصيل حاصل، ويدرك أنكم قد نقضتم العهد فى الليلة ذاتها، حينما دعوتم للزحف إلى الاتحادية، ومن المعلوم لغة أن كلمة «زحف» كلمة يكنى بها عن القتال والحرب، وفى الحديث الصحيح، أن من السبع الموبقات «التولى يوم الزحف»، أى التولى فى الحرب وعند القتال، فأن تدعو صراحة فى بيانكم ليلة الجمعة لـ«الزحف» إلى الاتحادية، وتستعملوا تلك اللغة التحريضية الواضحة، وأنتم تدركون جيدًا أن هناك جماعات و«بلاك بلوكات» تعتمد العنف منهجًا، والتغيير المولوتوفى المقنع سبيلاً، فعذرًا.. أنتم قد نقضتم الوثيقة فى ذات اليوم الذى وقعتموها فيه. ثم تأتون بعدها لتتبرأوا مما يحدث جراء ما دعوتم إليه ودعمتموه، وأنتم تعلمون جيدًا أبعاده وفحواه، فبماذا نصفكم إذن؟!.. بل بماذا تصفون أنفسكم؟!

لقد نقضتم الوثيقة حينما تبرأ منها أحد قياداتكم ليلتها خضوعًا لأتباعه، ونقضتموها فى اليوم التالى حينما كتب قائدكم الآخر بإنجليزيته المعتادة: «سيستمر العنف والفوضى، طالما لم يستجب الرئيس لمطالبنا».. ولا يفيدكم أنكم بعدها بساعات تبرأتم من العنف، حينما رأيتم ما جنته أيديكم ودعوتكم من أمطار المولوتوف المتساقطة على قصر الرئاسة فى مشهد لا يعرف العالم المتحضر مثله.. وياليتكم أصررتم على التبرؤ الصورى، ولم يسل لعابكم بسرعة أمام الغنيمة السياسية التى أهدتكم إياها الداخلية بمشهد الرجل المسحول، لكن يبدو أن تلك الغنيمة قد أنستكم تبرؤكم القريب من العنف الحادث عند الاتحادية، فعاد رئيس حزب الكرامة ليعلن انسحابكم من وثيقة لم تكن هى من سحلت متظاهرًا أوعرَّت متهما، ولكنها عرّت أخلاقا ومسالك تأبون إلا السير فيها للنهاية.. وتأبون إلا أن تكشفوا بتخبطكم فيها عورات أخلاقية، يتأذى الشعب كله بمشاهدتها لكنكم تصرون على كشفها، وفضح أنفسكم بأنفسكم وذلك ببساطة.. بنبذكم للنبذ!!
ونبذ النبذ إقرار.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة