لم توجد فى العالم كله خلطة يمكن أن توضع فى الماء فتنتج ديمقراطية، بل كل دولة من الدول الحديثة شقت طريقها للديمقراطية وتداول السلطة بطريق يختلف عن غيرها، ونفس الأمر فى الدول التى أطاحت بأنظمة متسلطة، كل منها سلكت طريقا يختلف عن غيرها، قد تتشابه لكنها لا تتطابق.. نقول هذا بمناسبة الجدل الدائر الآن بين نشطاء ومنظرين ومحدثى سياسة حول نجاح وفشل ثورات الربيع العربى، بعدعامين.
الدول التى شهدت .
تغييرات من التسعينيات، بعضها نجح والبعض أخفق وانتهى لأنظمة أسوأ مما كانت.. وعليه فإن القياس والمقارنة مع هذه أو تلك من الدول يفتقد إلى المنطق ويتجاهل الفروق بين الشعوب والأجواء.
كانت الثورة الإيرانية حال قيامها عام 1979 ملهمة للكثير من حركات المعارضة، قبل أن تطيح الثورة بالمعارضة، وتقيم حكما احتكاريا لا يختلف كثيرا عن الأنظمة المتسلطة، كان الخوف من تصدير الثورة الإيرانية، اليوم هناك خوف من تكرار النموذج الإيرانى.
بل إن النموذج العراقى، كان هو الآخر مثالا للتغيير نحو الفوضى، لم يكن ثوريا ولا شعبيا، بل كان تغييرا بالغزو أطاح بنظام صدام حسين قسرا، وفتح الباب لدولة طائفية على شفا التفكك، وأصبح الجدل حول إذا ما كان العراقيون تخلصوا من نظام قمعى، إلى شبه دولة طائفية، تفتقد إلى حرية القرار الوطنى. ومنذ بدأت ثورات الربيع العربى لم تتوقف محاولات القياس على تجارب مستوردة، هناك من قارن مع النموذج الرومانى، ومن استدعى النموذج الإيرانى أو التركى، والبعض ذهب بعيدا إلى نماذج فى أمريكا اللاتينية وآسيا.. وكانت تونس نموذجا تشابه مع مصر قبل وبعد الثورة، فقد ظل النظام المصرى يقول «إحنا مش تونس»، حتى لحق بالنظام التونسى فى الإطاحة، وأيضا فى بعض التفاصيل، خاصة مع تولى حزب النهضة الإسلامى الحكم، وهو شبيه بالإخوان المسلمين، وظل هناك من يقارن بين مصر وتونس، حتى فى التهديد بالاغتيالات.
سبقتنا تونس فى اغتيال بلعيد، وثار خوف فى مصر، خاصة أن ذلك تزامن مع فتوى جاهلية بإهدار دم المعارضين.. التشابه مع تونس يمتد إلى المشكلات الاقتصادية وشكل الحكم والعجز عن مواجهة المشكلات.. كان حزب النهضة فى تونس يمتلك الكثير من النظريات تسعى للربط بين العقيدة والتغيير والديمقراطية، وعند التنفيذ اختفت النظريات وحل الاحتكار والعجز، وبدأ التونسيون ينتبهون لخطورة الاحتكار والتساهل فى مواجهة الفوضى والتسلط. وربما يكون المصريون هم أيضا انتبهوا لخطر الاحتكار، والخوف من أن تنتهى الثورة إلى تسلط آخر، بعد أن ظنوا أنهم تخلصوا من عقود التسلط وحكم الفرد، الذى أفقد المواطنين ثقتهم فى أنفسهم وفى غيرهم، وقبل أن يقارن البعض بتجارب أخرى ربما يكونون فى حاجة للبحث عن طريقة تعيد ثقة الشعب فى نفسه، وفى بعضه لتبدأ تجربة لن تكون سهلة، لكنها تبدأ فقط عند التعرف على الذات. والنتيجة أن الثورات ومصائرها تفصيل على مقاس الشعوب، وليست جاهزة.