ما قاله الدكتور سيد إمام فى قناة العربية من أنه يكفّر الرئيس وطائفته، ويصفها بأنها مرتدة، لأنها جاءت برئيس مرتد إلى مصر، هو كلام يعكس أزمة نفسية عميقة يعيشها الرجل معزولا وحيدا، مفارقا لجماعته وتنظيمه، ودخل هو نفسه فى لعبة الأمن بتقديمه ملاسنات وصلت لحد التنابز مع أيمن الظواهرى صديقه، خاصة فى كتابه «التعرية»، وهو مختلف تماما عن وثيقة ترشيد العمل الجهادى فى مصر والعالم. يواجه سيد إمام، فى تقديرى، أزمة نفسية عميقة منذ قدم كتابه «الجامع» لأنه انتقل إلى فكر خوارجى بامتياز ينزع للتكفير والحكم على الناس بالخروج من الإسلام، بشكل غير مكترث أو مبال، وكأنه امتلك الحقيقة وأقام نفسه حاكما يحكم على الناس باسم الإفتاء، وأنه مجرد إخبار بفتوى لا تلزم من يسأل عنها أو يسمعها.
فى حالة الأزمة النفسية العميقة التى يواجهها المفكر أو الباحث أو الفاعل فى مواجهته مع تنظيمه وأصدقائه وجماعته، فإنه ينزع لمزيد من العنف الرمزى بالحكم على الناس بالتكفير أو الخروج من الإسلام، وبشكل عام فإنه لا يمكننى أن أقبل من الناحية العلمية أن يقوم إنسان بالحكم على ملايين الأفراد من أهل الإسلام والملة بالخروج منه، وأن يكون فى نفس الوقت صحيحا من الناحية النفسية بل العقلية، يمكن للعزلة أن تصيب الإنسان بالتطرف وأن تجعل منه خطرا على ذاته ومجتمعه وأمته من خلال أفكاره ومن خلال مشافهته لهم بأنهم كفار دون أن يطرف له جفن، لقد زرت سجن العقرب بعد الثورة وقابلت المسجونين والمعتقلين هناك وقتها وقابلتهم جميعا، وتحدثت معهم، كما قابلت سيد إمام وكان يسكن وحده فى غرفة معزولا بعيدا عن الناس والأصدقاء ورفاق الطريق ممن عاش معهم تجربة درامية فى منتهى الصعوبة.
الناس فى الهند بالملايين، وفى الصين بمئات الملايين، وهم كفار لم يدخلوا الإسلام ولم يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، أما من شهد لله بالوحدانية داخل عالم الإسلام فكيف تحكمه عليهم بالملايين بالخروج من الملة؟ هذه مأساة حقيقية تصل إلى مستوى الاضطراب النفسى وربما العقلى، كنت لاحظت تحول الخطاب السلفى الجهادى من السلفية التى تحترم المسلمين ولا تقيم نفسها أوصياء أو حكاما عليهم، إلى خطاب تكفيرى يكفر أعيان الطوائف والجماعات بلا اكتراث أو مسؤولية أو حس أخلاقى أو إنسانى، وفى الواقع فإن ذلك قد اكتشفته من خلال قراءة أفكار سيد إمام فى وقت مبكر ومن خلال كتابه الجامع على وجه الخصوص، المشكلة التى يواجهها خطاب سيد إمام البائس هى اضطراب الخطاب، وتفككه، وتناقضه، بل ضياعه وعدم الاهتداء إلى مقصد له، فهو يرى الناس منذ وقت محمد على حتى اليوم لا يقومون بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تجاه الحكام الذين لا يحكمون بالشريعة، ولم يتحدث عن المحتل الذى كان يحتل مصر فى ذلك الوقت والقيام فى وجهه، وهو يتحدث بمشاعر ملساء باردة عن كسرة رابعة ستواجه مصر، لأنها لا تحكم بالشريعة، والغريب أن الفكر التكفيرى يوجه عنفه الفكرى والرمزى والمعنوى تجاه المسلمين فى عالم الإسلام، ولا يوجهه ناحية عوالم غير المسلمين فى العالم، ولا أعرف لماذا تصيبنا نحن كسرات فى عالم الإسلام رغم أن الناس تحاول قدر جهدها أن تلتزم بالإسلام ولا توجه تلك الكسرات لعوالم غير المسلمين، أول مرة أرى سيد إمام يتكلم فى الإعلام وشعرت تجاهه بالشفقه والحزن، كان من الأفضل له أن يبقى فى بيته معتزلا بعيدا عن الأضواء والناس، مفوضا أمر الحكم على الناس لربهم، وأن ينشغل بأمره بدلا من الانشغال بالناس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة