لا أجد هذا المشهد غريباً، فكل المقدمات تقود إلى هذه النتيجة، كتائب ملثمة تعلن عن نفسها بكل وضوح، إحداها تقول إنها ستحارب الإخوان تحت اسم «بلاك بلوك» وإحداها تقول إنها ستحارب «الأقباط» ومن يعاونهم تحت اسم «كتائب مسلمون» نيران تشتعل فى المحافظات، قطع التيار الكهربائى عن محطات المترو، قطع الطريق الزراعى أو الصحراوى، تتحول ذكرى الثورة إلى ثورة جديدة، ألتراس أهلاوى يهدد بتفجير القاهرة، إذا لم يتم إعدام المتهمين فى مجزرة بورسعيد، ألتراس بورسعيدى أشعل المحافظة، وهجم على سجن بورسعيد عندما تم النطق بالحكم، شباب يموتون، وأعمار تقصف، المظاهرات تشتعل فى كل مكان ضد حكم المرشد وصبيانه، تستهدف مقرات الإخوان والحرية والعدالة، وكل ما يمت بصلة إلى هذا الفصيل، أعداد القتلى تتزايد، والإخوان نائمون، و«مرسى» يغرد على تويتر، لا يجد كلمات يقولها، فمن ناحية يخاف ــ إذا ما أدان المظاهرات ــ أن ينقلب الشعب ضده، ومن ناحية أخرى يمنعه خوفه من الاعتراف بشرعية المظاهرات من الاستجابة إلى مطالبها، لأن أوامر مكتب الإرشاد لم تأت بعد، مشهد غائم، والآتى أكثر غيوماً.
قبل أن نتسابق فى «الإدانة»، وقبل أن نلعن ونسب ونبكى على الوطن المسكوب، آن لنا أن نسأل أنفسنا: ما الذى أوصلنا إلى ما نحن فيه؟ ما الذى جعل الشك يسكن فى كل مفاصل الدولة؟ ما الذى جعل الشباب يلجأون للعنف، بعدما كانوا يرفعون شعار «سلمية» فى كل مظاهراتهم؟ ما الذى جعلهم يعتقدون أن الموت هو السبيل «الوحيد» للحياة؟ كيف تعمقت الكراهية حتى أصبح الدم هو الحل؟
لا أجدنى متردداً إذ أقول: إن كل ما يحدث الآن ليس أكثر من إعلان شعبى عن سقوط دولة القانون، والتى بدأت حينما تهاونّا فى البحث عمن اقتحموا السجون وقت الثورة، وأسهموا فى تشويه سمعة الثوار، وإشاعة الرعب فى قلوب المصريين، وأتذكر وقتها أننى كتبت فور ظهور تقرير لجنة تقصى الحقائق مقالا طويلا، سألت فيه هذا السؤال: «هل تورط حسن نصر الله «وحماس» فى الانفلات الأمنى بمصر؟» وطالبت بفتح تحقيق موسع فى الأمر، حفاظاً على هيبة الدولة المصرية، على أن نقتص ممن تسبب فى هذا الأمر، لكن لأن أيادى المجلس العسكرى كانت مرتعشة أكثر من اللازم، ولأنه لم يكن ليغضب حلفاءه من الإخوان، «كفى على الخبر ماجور»، وكان هذا تصريحا بمزيد من الانتهاكات التى استفحلت فى عهد مرسى، حتى أصبحت الانتهاكات هى القاعدة.
لا يحق لك أن تسأل الآن: أين القانون؟ لأنك رأيت القانون يدهس تحت الأقدام مرة بعد مرة وظللت صامتاً، لا يحق «تحديداً» للجالسين على مقاعد الحكم الآن أن يشيروا بأصابع الاتهام إلى هذا أو ذاك، فهم الذين افتتحوا مزاد انتهاك القانون بتركهم لجماعتهم غير المقننة، وارتكابهم العديد من الجرائم مثل الإفراج عن القتلة والإرهابيين دون سبب، أو اقتحام دار القضاء العالى، لأن «الزند» لا يعجبهم، أو محاصرة المحكمة الدستورية ليمنعوا إصدار حكم، قد لا يكون فى صالحهم، أو يفصلوا دستورا «بحاله» لإقصاء تهانى الجبالى عن مقعدها فى المحكمة الدستورية، أو يسهروا الليالى الطوال، لكى ينتهوا من الدستور قبل الفصل فى الطعن على جمعيته التخريبية، أو يرسلوا ببلطجيتهم ليعتدوا على متظاهرى الاتحادية، ليقتلوا ويعتقلوا ويعذبوا، ثم يجلسوا ليتباكوا على من أسموهم شهداء.. أو.. أو.. أو إلى ما لا نهاية.
سبق أن قلت إن الجماعة بتجبرها وغرورها واستعلائها، تجبر مئات الآلاف من شباب الثورة السلميين على التحول إلى قنابل موقوتة، تهدد الجميع بالانفجار، والآن أقول إن هذا الانفجار لن يبقى على شىء، إذا ما ظل الحال على ما هو عليه، وليس هناك من حل سوى السعى إلى عمل مصالحة شاملة، نعلى فيها دولة القانون، قبل أن تنتهى الدولة وينقرض القانون.
كتبت هذه المقالة فى 17 يناير 2013
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة