ناجح إبراهيم

عادل طرمان.. وداعاً للكرامة

الثلاثاء، 12 مارس 2013 05:46 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
توفى منذ عدة أيام الأخ الصديق عادل طرمان فى أحد المستشفيات بالقاهرة.. وبذلك فقدنا رمزاً من رموز الكلام والشهامة والرجولة.. وأنا ومعظم قادة الجماعة الإسلامية يدينون بالكثير والكثير لهذا الرجل الذى آوانا وأكرمنا وقت هروبنا منذ التحفظ الذى أمر به الرئيس الراحل السادات.. وفى رحلة هروبنا هذه انتقلنا إلى أماكن كثيرة.. فمن اللجوء إلى الحدائق الخاصة، إلى الهروب فى مزارع القصب المشهورة فى الصعيد، ثم فى البيوت.. إلى أن وصلنا إلى الأخ طرمان الذى أحسن استقبالنا وأكرم وفادتنا رغم خطورة موقفنا أمنياً وسياسياً وقتها.. وكثرة عددنا فقد كنا وقتها عشرين أخاً.. ولك أن تتخيل شابًا لم يكن وقتها ملتزما ً بالحركة الإسلامية ولا ملتحياً يستضيفنا لفترة تقارب الشهر.. وكانت استضافته كرماً نادرا.. ولم تكن تمثل الكرم فحسب.. ولكنها تمثل شجاعة ورجولة نادرة، إذ إن الأخ عادل طرمان دفع ثمنًا باهظًا لهذه الاستضافة.. فمكث بالمعتقل ثلاث سنوات كاملة من سنة1981م حتى سنة 1984م.. ولو أن هذه الاستضافة كانت فى التسعينيات من القرن الماضى لمكث فى المعتقل طوال عمره، لقد كان بإمكانه أن يطعمنا أى طعام.. فيكفيه أنه قد آوانا وسترنا فى هذه الظروف العصيبة.. ولكنه أبى إلا أن يبالغ فى إكرامنا.. فإذا ذكرت لكم ما كان يقدمه فى الإفطار فقط من أنواع الأطعمة لأدركتم مدى هذا الكرم.. فقد كان يقدم فى الإفطار ستة أنواع من الطعام.. أما فى الغداء فقد كان يقدم كل أنواع اللحوم مجتمعة.. بالإضافة إلى أنواع الخضار المختلفة، ولعل معيشة الأخ عادل طرمان فى بيت ريفى كبير فيه كل أنواع الطيور.. وكذلك عمله كتاجر للمواشى ساعدته كثيرا ً على هذا الكرم الحاتمى، وقد فوجئت به يوماً يأتى بسيارة نصف نقل محملة بقرابة 16 مرتبة إسفنجية جديدة، فسألته عن ذلك، فقال لقد اشتريتها من أجلكم، ومن الطريف أن المرحوم طرمان اعتقل فى نفس المعتقل ونفس العنبر الذى كنت فيه فى سنة 1982م.. كان وقت الفسحة اليومية للمعتقلين نصف ساعة لكل أخ.. وكانت الزنازين انفرادية، وكان كل أخ يخرج منفردا ويتمشى فى طرقة العنبر، وكان الحديث مع الآخرين ممنوعًا حينها.. فلما خرجت سلمت بهدوء عليه فى غرفته وقلت له وأنا أبتسم: كيف حالك؟
قال: تصور يا أخى أنا كنت أفسح البهائم بتاعتى طوال اليوم.. وأجعلهم يستحمون فى الترعة ويأخذون حمام شمس كل يوم عدة ساعات.. ونحن الآن لا نعامل معاملة البهائم.. وقد كانت حظيرة مواشيه ملحقة بمنزله فى قرية نجع مكرم بسوهاج.. وقد كنت أجلس معه فى فناء منزله وكان يفتح على البهائم فى الصباح المبكر فتنطلق مسرعة، وكأنها خرجت من سجن أو معتقل، فإذا بالعجول الصغيرة تقع من شدة سرعتها وخاصة عند دوران تمر به حيث تتزاحم بشدة، وكنت أراقب هذا المنظر العجيب كل يوم.. وأقول فى نفسى: لماذا لا تتمهل هذه العجول الصغيرة فى سيرها؟.. وإذا تمهلت فلن تتأخر سوى ثوان عن إدراك الشمس والماء، ولكن المنظر يتكرر يوميًا دون اتعاظ من العجول الصغيرة ودون توقف منى عن التعجب من العجلة.. ولم أفهم السر فيما تفعله العجول الصغيرة إلا بعدما دخلت المعتقل فعرفت قيمة الحرية وألم الحرمان منها.. وأدركت فى المعتقل أن هذه العجول الصغيرة كانت تتعجل الحرية والهواء النقى والشمس والترعة الصغيرة التى تعدها كأعظم نهر تراه فى حياتها.. ولذا فإنها تكررها يوميًا دون التغيير.
لقد كان المرحوم طرمان يأتى بطعام زيارته ويدعو كل الإخوة بالدور الأرضى إلى الطعام فيأتى قرابة ثلاثين أخًا يأكلون الزيارة كلها بما حوته من كل ما لذ وطاب.. وكان يعطى الشاويشية والجنود ما لذ وطاب من الأطعمة ليوسعوا على الإخوة فى الفسحة، لقد جاء المرحوم طرمان لزيارتى فى المعتقل بعد خروجه بسنوات فقلت له: لقد آذيناك فى تجارتك وحياتك. فقال: لقد عرفت الإسلام حقاً فى فترة المعتقل واقتربت من الله وكتابه كثيرا.. أما تجارتى فقد عوضنى الله أكثر مما فقدت مرات ومرات.
سلام على أسخياء اليد والنفس والمشاعر والقلوب.. سلام عليهم ما طلعت شمس.. فهم شموس تبعث الدفء والحياة فى قلوب الآخرين، سلام على عادل طرمان رمز الكرم والنجدة والشجاعة.. وعلى كل من يغيث اللهفان ويأوى المكروب ويصنع المعروف.
رحم الله طرمان.. ورزق أهله الصبر والسلوان.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة