قال: أىُّ رجلٍ فيكم عبدُاللهِ بنُ سَلامٍ؟
قالوا: أعلَمُنا، وابنُ أعلَمِنا، وأخيَرُنا، وابنُ أخيَرِنا
قال: أفرأيتُم إن أسلَم عبدُ اللهِ بن سلام؟؟
قالوا: أعاذه اللهُ من ذلك!
فخرَج عبدُ اللهِ بن سلام إليهم فقال: أشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ.
فقالوا: هو شرُّنا، وابنُ شرِّنا، ووقَعوا فيه!!
كان هذا نص حوار دار بين النبى، صلى الله عليه وسلم، وبين أحبار اليهود، عندما دعاهم بعد إسلام عبد الله بن سلام الذى كان له بينهم شأن ومكانة كبيرة تهاوت فى لحظات بمعول التعصب، حتى صار فجأة شرهم وابن شرهم. وكذلك التعصب فى كل زمان ومكان، فى لحظة يُسقط الرموز، الذين ما إن يختلفوا مع ما يتعصب له المرء حتى يصير احترامهم فى خبر كان.
تحدثت فى المقال السابق عن ذلك المرض العضال، ووعدت أن أكمل حوارى مع صديقى المتعصب الذى سألته بعض الأسئلة الكاشفة، إن كان قد أجابها بنعم، فهو قد اعترف ضمنيا بأنه متعصب، وتلك هى أولى خطوات الإصلاح. وها أنا ذا أكمل حوارى معك يا صديقى، فاقبل منى مشكورا.. لا يعقل أبدًا يا عزيزى كلما اختلفت مع متبوعك- غير المعصوم- أو انتقدته أن أتحول فى لحظات إلى عدوك اللدود وخصمك البغيض، وأن أقع فريسة سبابك واتهامك وتصنيفك الجائر. ولا يُعقل أيضًا أن يكون هدفى من كل موقف تبنيته مخالفا لقائدك أومتبوعك تشويهه أو تتبع زلاته وإبرازها.
يحق لك بالطبع أن تدافع عن وجهة نظر متبوعك ما دمت مقتنعًا بها، لكن ما لا يحق لك بحال من الأحوال أن تنتقص من خالفه، أو فند رأيه، فتتهم نيته أوتسبه وتمتهن كرامته وتتحول دون أن تشعر إلى شرطى يسعى للإمساك بالمخالفين باعتبار اختلافهم جريمة أو تهمة.
عليك، يا صديقى المنضوى تحت جماعة أو قائد، أن تفرق بين من يختلف بأدب ودون تجريح، وبين من يسب ويهين، بين من يقارع حجة بحجة وينقد رأيا ويفنده- وإن كان نقده لاذعا- وبين من يلتفت لشخص صاحب الرأى نفسه ويتفرغ لامتهانه وتشويهه، فإن وجدت من يهين متبوعك ويسب شخصه- وليس رأيه- فحق لك حينئذ أن ترد غيبته إن كنت ترى تجاوزًا فى حقه واعتداءً على عرضه.
لكن، أن تجد نقدًا وتفنيدًا لرأى متبوعيك، أو تساؤلات واستفسارت حول مواقفهم وخياراتهم، فتتدخل أنت لتسب وتشتم! فهذا ببساطة يا عزيزى لا يقال عنه إلا بلطجة فكرية، وتعصب أعمى، فارق كبير، يا صديقى، بين من ينقد بأدب ويختلف برقى ويقوّم من يراه أخطأ، وبين من يشوه ويسىء ويهين مخالفه، أو يختلف لمجرد الاختلاف، وليس من حق مخلوق أن يتهم نية الخلق، أو يزعم ضمنيًا اطلاعه على غيب دوافعهم وأسباب اختلافهم، ومن ثم يصنفهم، ويحكم عليهم، ويسىء لذواتهم وأشخاصهم، ودعنى، يا صديقى، أذكرك مرة أخرى بأمر ربما نسيته فى زحام نضالك (المقدس) ضد مخالفيك، إن جماعتك أو حزبك أو قادتك ليسوا معصومين، ومن الممكن أن يخطئوا أو يسيئوا، ومن يختلف معهم أو يرى خطأهم ويردهم أو يفند مواقفهم وخياراتهم ليس بالضرورة حاقداً أو خائنا، ومادام يختلف بأدب فعليك أنت أيضا أن تجادله بالحسنى، بل بالتى هى أحسن.
ينبغى أن تدرك أن متبوعك مادام أخرج رأيًا من بين شفتيه، وجهر به وطرحه على الملأ مجاوزا أسوار عقله، فقد صار قوله عرضة للنقد والقبول والرفض والتفنيد والأخذ والرد، ويفترض أن متبوعك أو قائدك يفهم ذلك جيدًا، ولئن ظن يوماً أن رأيه منزه مقدس، لا ينبغى لأحد رده، ولا يسع أحدًا رفضه، فإنه قطعا لا يستحق أن يتصدى للعمل العام، فهو بذلك من أهل تلك القاعدة الفرعونية التى يبدو أن الأجيال تتوارثها فى بلادنا!
قاعدة «ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد»
قاعدة التعصب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة