د.عمرو هاشم ربيع

جيش مصر وسط الأنواء

الإثنين، 18 مارس 2013 07:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما تسلم الجيش السلطة فى مصر باسم المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى 11 فبراير 2011، واستمر فى الحكم رسميًا حتى 30 يونيو 2012، ثم غادر عمليًا فى 12 أغسطس 2012، كان الكثير من الناس وعلى رأسهم القوى المدنية هم أكثر المطالبين برحيله. وكان ذلك نتيجة لما رأوه من تجاوزات فى تعامله مع القوى المدنية، والتى سقط خلالها نحو 200 من القتلى إضافة إلى عشرات الجرحى فى مواقع التحرير ومحمد محمود وماسبيرو والعباسية 1 والعباسية 2 والسويس والإسكندرية وغيرها وغيرها. وقيل وقتئذ أن الجيش لا يصلح للحكم، وأن الحسنة الوحيدة التى جلبها للمجتمع والدولة هو قيامه بإنهاء سيناريو التوريث، لكن مثالبه مقابل ذلك كانت كثيرة، وكان على رأسها إحباط المواطن بإشعاره أنه لا يوجد أى ثورة قام بها فى 25 يناير، بعبارة أخرى أنه كان راضيًا على مبارك أشد الرضا لولا مسألة التوريث التى قلبت الأمور رأسًا على عقب.

وعندما لاح فى الأفق أن رحيل الجيش أصبح محتومًا، كانت هناك اتفاقات تتم فى صمت لتسليم السلطة للإخوان بضغوط أمريكية واضحة، تحت دعوى أن هؤلاء هم القوى المنظمة الوحيدة. بمعنى آخر لم يكن للأمريكيين أى تعاطف مع الإخوان، لكنهم رأوا أن القوى المدنية غير منظمة، وأنها ستثير الهرج والمرج فى المنطقة إذا ما تسلم هؤلاء السلطة، بما يضر بالمصالح الأمريكية وأمن إسرائيل على السواء، لذلك رأوا أن قوى غير مأمون بأسها ولكن منظمة، أفضل من غير المنظمة ولو سلمت نواياها تجاه الأمريكان، وأن الحاجات الاقتصادية لتلك القوى المنظمة هى الكفيلة بتطويعها وجعلها الأكثر موالاة للأمريكان فى المنطقة، وهذا هو ما حدث بالفعل.

وسط هذا كله تعض الآن القوى المدنية على أصابعها من جراء ما جنته بحق الجيش، وقد سبق أن قلنا مرارًا، يكفى ارحل واحدة لتذكير الجيش بأنه كائن غريب عن الشارع المصرى، لكن أصدقاءنا آثروا أن يقولوها ثلاثة "ارحل ارحل ارحل". الآن لسان حال هؤلاء يقول نار الجيش ولا جنة الإخوان، فالجيش سيكون حلقة الوصل لوثوب هؤلاء إلى الحكم، أو على الأقل إعادة ترتيب البيت لصالحهم، باعتبارهم القوى التى قامت بالثورة والأحق بالسلطة، وبالمقابل سيتم طرد من لحق بها وركب موجتها.

لكن الأهم هنا ليس موقف القوى المدنية ولا موقف الإخوان ولا حتى موقف الأمريكان، المهم فى هذه المعادلة هو موقف الجيش نفسه. فالجيش يرى الآن أنه استعاد ثقته بنفسه، بعد أن امتهنت القوى المدنية تلك الثقة بالتحامه وسط الجماهير. وهو يرى فى طلب العودة مرة أخرى للحياة المدنية مخاطرة غير محسوبة، تجعل منه أداة فى يد القوى المدنية، عندما تحتاجه تستدعيه، وعندما تبغضه تنادى ارحل.

الجيش الآن أكثر سعادة بوضعه الحالى، فهو بعيد عن الشارع، ليس هذا فحسب، بل إنه نأى بنفسه عن السياسة بشكل جذرى، حتى أنه ينفذ كل ما يريد بغض النظر عن غضب أو رضاء الإخوان. خذ مثلا سياسته فى سيناء وتجاه حماس تحديدًا. هذه السياسة تنم عن توعد وزجر وردع دون أن يلقى أى نظر أو اعتبار لسياسة مكتب الإرشاد أو ممثلها فى الاتحادية. يسد الأنفاق ويغمرها بالماء ويتعقب مجرمى حماس والمهربين، ولن يهدأ باله قبل القبض على قتلة جنوده فى رمضان الماضى، لأنه بإيجاز عينه على الأمن القومى المصرى أكثر بكثير من حراس العقيدة.

على أنه لا يجب أن ننظر إلى الجيش على أنه رقم خارج حلبة الصراع السياسى بشكل كلى. فهناك خطان أحمران لن يقف فيهما الجيش موقف المتفرج. الخط الأول: نزول الطبقات الفقيرة والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى للشارع فى ثورة جياع لا تعرف أى تعاطف مع كل ما هو إخوانى أو مدنى. ثورة للحصول على الغذاء فقط، لا دخل لها بالسياسة. الخط الثانى: سعى جماعتنا فى المقطم لأخونة الجيش ضمانًا لولائه. هنا سيصبح النزول حتميًا بغض لنظر عن رضاء أو غضب العم سام. وسنصبح نعيد الكرة من جديد كما كنا فى يوم 11 فبراير 2011، لكن هذه المرة يكون الجميع قد تعلم الدرس من تجربة الماضى المريرة. الجيش عرف كيف ينظم الأوضاع ويرتب البيت، والقوى المدنية عرفت قيمة الجيش وقامته، والإخوان أدركوا أن الفرصة جاءتهم على طبق من ذهب لكنهم أهدروها برعونة وصلف وكبرياء.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة