طبعا فكرة قيام المواطنين بالقصاص المباشر من البلطجية وقطاع الطرق بالقتل والسحل مرفوضة فى الدول الحديثة التى يتوافر فيها القانون والأمن والشرطة، لكنها تسود فى المجتمعات العشوائية التى يغيب فيها الحق، ويختفى الأمن.
لقد شهدنا حوادث كثيرة لتطبيق القصاص المباشر، فى القاهرة والمحافظات، ربما آخرها وليس نهايتها، قيام المئات من أهالى قرية «محلة زياد» بمركز سمنود بمحافظة الغربية بسحل شابين وقتلهما، بعد ضبطهما أثناء اختطافهما طفلين بالقرية، قبلها كانت محافظة الشرقية أكبر المحافظات تطبيقا لحد الحرابة على الخارجين عن القانون، وفى نفس السياق هاجم لصان سيارة تاكسى على الطريق الدائرى واستغاث السائق بالمواطنين الذين طاردوا اللصين وأعطوهما علقة قبل تسليمهما للشرطة.
ومهما كانت درجة الإدانة لتطبيق القانون باليد، وهو أمر ترفضه طبيعة المصريين المسالمة، فإن النظر للأمر من زاوية المعتدى عليهم وأهالى المختطفين وضحايا البلطجة والسرقة بالإكراه.. يردون: حط نفسك مكانى إذا تم خطف ابنك أو ابنتك، أو مهاجمة سيارتك أو قطع الطريق عليك، ماذا تفعل ولا يوجد شرطة تستغيث بها، أو أمن يعطى الطمأنينة، فى بلد كان أشهر ما فيه أنك يمكن أن تمشى فيه مطمئنا نهاراً وليلاً.
الآن الشرطة لم تعد كما كانت لأسباب كثيرة، والهيبة بالقانون وليس بالقوة فقط.
وقد طلع وزير العدل المستشار أحمد مكى علينا ليعلق على قيام المواطنين بمعاقبة البلطجية واللصوص بالقتل والسحل وقال إن انتشار «حد الحرابة» علامة على «وفاة الدولة»، وأبدى استياءه من قيام مواطنين بتطبيق «حد الحرابة» بأنفسهم وقتل «بلطجية»، وقال إن «استعمال القوة حق أصيل من حقوق الحكومة، فإذا انتقل هذا الحق للأفراد فهذا يعنى غياب الدولة، والحكومة التى تسمح بذلك حكومة ظالمة، لأنها لا توفر الحماية لأفرادها».
ولا يكفى أن يبدى الوزير استياءه، من ضياع القانون، خاصة أنه لم يتطرق إلى عناصر وفاة الدولة التى تساهم فيها الحكومة ويساهم فيها الوزير بإهدار القانون، وتعطيله بإعلانات معيبة، وتقارير طب شرعى اعترف بتزييفها، وقوانين مسلوقة وظالمة.
قلنا مرارا إن هيبة الدولة لا تعنى الخوف لكن تعنى احترام القانون، وهو أمر غائب حتى الآن فى المرور وفوضى النقل والتوك توك والميكروباص والاعتداء على الشوارع والأرصفة والمترو وأراضى الدولة. وعدم تنفيذ القانون على المخالفين، واستمرار البناء المخالف يشجع آخرين على الفعل، والحل فى فرض هيبة القانون على المخالفين بلا تفرقة، وهو أمر لا يعود فقط للداخلية، لكن للحكومة والنظام كله. وقلنا إن الهيبة ليست فى كثرة رجال الأمن، لكن فى معرفة من يخالف أنه لن يفلت من العقاب، ومن له حق سوف يحصل عليه.. من هنا تبدأ هيبة الدولة التى تتبعثر بفضل حكومة ونظام أول من يخالف القانون والعرف والعقل والمنطق.