يحرم بعض الدعاة الاحتفال بـ«عيد الأم».. وحجتهم فى ذلك ما ثبت عن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» أنه لما هاجر إلى المدينة وجد الصحابة أن يهود المدينة يحتفلون بيومين يلعبون فيهما «أى يتخذونهما عيدا» فأرادوا الاحتفال بهما، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم يومين خيرا ً منهما يوم الفطر والأضحى. ويستدلون به على أن الإسلام لا يعرف سوى عيدين هما الفطر والأضحى وبالتالى فإن الأعياد الأخرى لا يجوز الاحتفال بها ومنها الأعياد الاجتماعية مثل عيد الأم وعيد اليتيم وعيد العلم وعيد الفلاح أو العمال، والوطنية مثل عيد الثورة وعيد النصر وغيرهما، فضلا عن الأعياد العقائدية للملل الأخرى. ويحتج هؤلاء الدعاة بأن الأم يجب تكريمها فى العام كله وليس فى يوم واحد.
وفى المقابل نرى أن المسلمين عوام وخواص يحتفلون بعيد الأم ويشعرون بأثره الفعال فى تربية الأجيال على بر الأمهات وتذكير الناس بفضل الأم حيث نرى المسلمين يتسابقون فرادى وجماعات لبر الأمهات وصنع الخير معهن وتعويض ما قصروا فيه معهن طوال العام. وهم فى كل عام يستمعون إلى تلك الفتاوى التى تحرم الاحتفال بـ«عيد الأم» ولكنهم لا يلتفتون إليها ولا يقتنعون بها ويستمرون فى الاحتفال بهذا اليوم ويرون أن ترك الاحتفال به يحرمهم ويحرم أمهاتهم من خير وبر كثير ويحرم أولادهم من غرس هذه القيمة العظمى فى نفوسهم. وهكذا يستمر الحال فى كل عام هؤلاء يفتون بالتحريم وعموم المسلمين المصريين لا يرون أنها تمثل روح الدين من وجهة نظرهم فيستمرون أيضاً فى الاحتفال بهذا اليوم. وهكذا تسير الأمور فلا الدعاة توقفوا قليلا لإيجاد صيغة شرعية لهذا الأمر تجمع بين الواجب الشرعى والواقع العملى وتحقق بر الأمهات، أو يعرضوا بديلا جيدا عنه يقنع سائر المسلمين به. أما عموم المسلمين فلم يقيموا حوارا ًمع هؤلاء الدعاة حول فتواهم وأثرها السيئ فى منع هذا الخير.
هذه الإشكالية نجدها فى أمور كثيرة.. ولعل التصدى لمثل هذه الإشكالية يكون شائكاً.. ولكنى أرى أن التصدى لها أهم من إهمالها وتركها. وقبل الفصل فى الأمر يهمنى أن أذكر القارئ ببعض القضايا الشرعية: أولا: - إننى اتفق مع هؤلاء الدعاة فى أن الإسلام لا يعرف سوى عيدين اثنين هما «الفطر والأضحى». ثانياً: أن مسمى العيد فى الشرع ينطبق على أمرين هامين: 1 - النسك والعبادة: مثل تكبيرات العيدين وصلاة العيد والإفطار قبل الخروج للمسجد فى عيد الفطر والذبح بعد الصلاة فى عيد الأضحى.. إلخ، فأى عيد لا تكون فيه نسك وعبادة فهو فى الحقيقة ليس عيدا بالمعنى الشرعى الذى قصده الرسول «صلى الله عليه وسلم» فى الحديث الذى أشرت إليه آنفا ًحتى وإن كانت فيه فرحة عامه. 2 - الفرحة لعموم المسلمين: «وهذه الفرحة تعم النساء» حتى الحائض والنفساء والأطفال والشيوخ والأسر جميعا ليشهدوا الاجتماع الإسلامى النادر الجميل الذى لا يتكرر فى العام إلا مرتين. ثالثاً: - أن الأعياد التى لا تشتمل على نسك وعبادة لا تعد أعياداً فى الشريعة سواء كانت هذه العبادة عبادة صحيحة مثل العبادات المشروعة فى عيد الفطر وعيد الأضحى أو عبادات غير مشروعة فى الإسلام مثلما يحدث فى أعياد غير المسلمين ونحو ذلك من الأعياد الدينية العقائدية التى تشتمل أساساً على النسك والعبادة وهذه الأخيرة متفق على تحريمها على المسلم. أما الأعياد التى لا تشتمل على نسك وعبادة فهى تسمى أعيادا ً مجازا لأنها تعود كل عام وهذه فى حقيقتها ليست أعياداً بالمعنى الشرعى رغم اشتمالها على فرحة أو بر أو معروف ونحوه ومن أمثلتها «عيد الأم» وعيد النصر وعيد الثورة وعيد العلم. ولو أننا أسميناها «يوم كذا» بدلا من «عيد كذا» لكان أولى وأفضل ولزال عنها الكثير من الالتباس الذى يقع فيه الكثيرون. رابعاً: أن الاحتجاج بأن مثل هذا الاحتفال لم يحدث فى أيام الرسول «صلى الله عليه وسلم» والصحابة والتابعين وتابعيهم احتجاج ضعيف.. فليس كل شىء يحدث الآن فى حياتنا قد حدث أيام الرسول والصحابة والتابعين.. حتى فى أمور المساجد وطلب العلم وطريقته... الخ. وهذا كله يندرج تحت ما يسمى فى أصول الفقه «المصالح المرسلة» وهو ما فيه مصلحة شرعية للناس ولم يأت هناك نص بتحريمه أو وجوبه أو ندبه.. فالأصل فى الأشياء الإباحة «بخلاف العبادة والعقيدة والأبضاع والدماء.. فالأصل فيها الحرمة إلا ما أباحه الشرع الحنيف».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة