المصريون يتكلمون كثيرا ولا يعملون، يهتمون بالسياسة أكثر من الاقتصاد، يشتكون أكثر مما يبحثون عن حل، وطبعا يأكلون كثيرا ويشربون شاى ويجلسون على المقاهى، ويتفرجون على التليفزيون، ويثرثرون، هذه هى خلاصة الاتهامات التى يوجهها كل غير مباشر، ويوجهها وزراء بشكل مباشر، قبل أيام قال وزير الاستثمار أسامة صالح إن المصريين بعد الثورة تركوا الاقتصاد واتجهوا ا للسياسة، وبعد أن كان الاقتصاد يقود السياسة، أصبحت السياسة تقود الاقتصاد. تصريحات وزير الاستثمار فى السياسة وليست فى الاقتصاد، ثم إن الوزير يناقض نفسه عندما يقول أن ارتباك السياسة يربك الاقتصاد، والسياسة فى يد الرئيس والحكومة، وبالتالى فهم المسؤولون عن الارتباك. المصريون تفرغوا للسياسة، وكانوا يريدون أن يرتاحوا بعد أن فعلوا ما عليهم وصوتوا فى استفتاءات وانتخابات، تصوروا فيها أنهم اختاروا من هم أقدر على إدارة شؤون البلاد، لكنهم اكتشفوا أنهم اختاروا سرابا وأن الانتخابات لم تأت بمن يمكنه أن يغنيهم عن سؤال اللئيم. انشغلوا بالسياسة لأنهم لا يرون أفقا للمستقبل، بل إنهم كثيرا ما يجدون الحكومة والرئيس يسيرون عكس الاتجاه، وقد فشلوا فى الإجابة عن أهم الأسئلة المطروحة، وعجزوا عن إنجاز واجباتهم، وبدلا من تصحيح الخطأ يطالبون المواطنين بالصمت والجلوس هادئين، ليتفرجوا على الحكومة وهى تكذب وتقول لهم أنها تعمل من أجل غير القادرين بينما ترفع الأسعار وتضاعف الفواتير وتعجز عن حفظ الأمن وتنظيم المرور أو رفع القمامة. وزير الاستثمار ليس وحده الذى يتهم المصريين بأنهم يتحدثون كثيرا فقد سبقه وزير العدل المستشار أحمد مكى، ولا نعرف من أفهم الوزراء أن السياسة فقط انتخابات وكراسى، بينما المعروف أن الرغيف والعلاج والفاتورة من صميم السياسة.
وجرت العادة أن الحكومات والأنظمة الفاشلة عادة ما تتهم الشعب بأنه هو «اللى مش عارف يتحكم»، ورأينا نظام مبارك أنه كان كثيرا ما يرمى بكلام عن أن الشعب يأكل كثيرا ويتكلم كثيرا، ولا يعمل، متجاهلين أن هناك ما يقرب من أربعة ملايين عاطل لا يجدون عملا ولا مسكنا ويجلسون على المقاهى اضطرارا. المصريون لا يفضلون السياسة لكنهم مشغولون بها طوال الوقت، وأمنية المواطن أن يجد الحياة سلسة وبلا مشاكل، لكنه يصرخ من أزمات السولار أو العيش أو العلاج والطرقات والأمن، هو يتحدث فى اقتصاد وشأن عام يخصه وليس مجرد رغبة فى الكلام وخلاص. ولو كانت الحكومة ناجحة والنظام حقيقيا، ربما لارتاح المواطنون، وتفرغوا للفرجة على مسلسلات وأفلام أو الخروج فى رحلات صيد أو لعب الجولف، وما أحب على قلب المواطن من أن يتفرغ للفرجة على التليفزيون والاستمتاع بالأكل والشرب، لكنه مجبر طوال الوقت على أن يتفرغ للصراخ الذى تسميه حكومة قنديل سياسة وترف، بينما الحكومة فاشلة فى السياسة والاقتصاد، وهى التى تدفع المصريين لترك أشغالهم والتفرغ للشكوى، والبحث عن أرزاقهم، ولا يرون خيرا من حكومة لا تعمل وتتهمهم بأنهم «مش عارفين يتحكموا».