كان الرجل يقف أمام بائعة الجرجير والفجل، مندهشا يسألها لماذا تم رفع سعر ربطة الجرجير وتقليل الأعواد. وقدم الرجل محاضرة عن الاستغلال والسوق السوداء، بشكل تجاوز موضوع الجرجير. السيدة العجوز لم تفقد صبرها، وردت بابتسامة: يا اخويا السولار رفع كل حاجة والتاجر رفع الأسعار واللى كنا بناخده بعشرة بقى بخمستاشر. رد الزبون الغاضب: فاضل كمان تقولى لى الدولار رفع أسعار الجرجير. ردت السيدة مبتسمة: انت هتقول فيها، الدولار بيرفع كل حاجة، وبعدين هو انتم متتشطروش غير على الغلبان بتاع الجرجير. ما احنا بنشترى كل حاجة غالية. ثم ختمت الحوار بحكمة: هو احنا حد بيفكر فينا.
حديث السولار والدولار عنصر مشترك فى أى حوار بين اثنين أو أكثر، وقد تفوق على أحاديث السياسة والانتخابات، حديث الركاب فى مواقف الميكروباس، والبائع والمشترى فى السوق. والحقيقة أن كلام بائعة الجرجير، لا يبتعد عن الحقيقة، لأنها تتعامل مع تاجر هو نفسه يتعامل مع سيارات نقل، تتعطل وتشترى السولار من السوق السوداء، أو يضطر السائق للمبيت طوال الليل ليحصل على حصته حتى يستطيع متابعة أكل عيشه. وبالتالى يضطر لرفع السعر حتى يعوض خسارته. وهى معادلة واضحة تفهمها بائعة الفجل والجرجير، وتبدو مستسلمة لها، لعلمها بالخبرة أن الحكومة ربما لن تفكر فيها أو فى أمثالها، وأنها كبائعة جرجير غير موضوعة على خارطة السلطة أو المعارضة. فضلا عن كونها تتمسك بابتسامتها، بالرغم من كونها تعمل من الفجر إلى العشاء من أجل أن تعود لبيتها بعشرة أو عشرين جنيها على أقصى تقدير. وطبعا تعيد بناء موازنتها الصغيرة لمواصلة حياتها.
ومن السولار للدولار، فقد اعتدنا طوال سنوات أن ارتفاع سعر الدولار يقود لرفع أسعار كل السلع، ويعلن المستوردون أنهم يدفعون أكثر ويشترون الدولار من السوق السوداء. ومع ارتفاع أسعار المستورد، ترتفع السلع المحلية، لكن معادلة الاقتصاد عندنا، أن الأسعار ترتفع مع ارتفاع أسعار الدولار، لكنها لا تنخفض بانخفاضه. ونفس الأمر مع الأسعار العالمية، حيث يتم رفع السعر مع ارتفاع السعر العالمى، فإذا انخفض عالميا تبقى أسعارنا كما هى.
وقدر الدول المربوطة بالدولار أن كل شىء يتأثر بالدولار، ترتفع أسعار الملابس والطعام والشراب، وبالتالى يصل إلى الفجل والجرجير، خاصة أن هؤلاء الذين يبيعونه يعيشون معنا فى نفس المجتمع. بل إن الفقراء هم الأكثر تأثرا بكل ارتفاع فى الأسعار العالمية أو الدولارية.
فإذا كانت بائعة الفجل تعرف وتتعامل وتتأثر بأزمة السولار والدولار، وتبدو قابلة لتقبل الأزمة، لماذا لاتبدو الحكومة والنظام على نفس درجة الوعى. وكيف لا يتأثرون بما يجرى؟.
المعروف بحكم الواقع والضرورة أن دور الحكومات فى كل العالم هو التفكير فى خفض خطورة الأزمات، والاستعداد لها وصنع مجموعات لتوقع الأزمات والتعامل معها وإدارتها. خصوصا أن لدى الحكومة المعلومات والأرقام والخرائط التى تجعلها قادرة على العمل. لكن ما يحدث أن النظام يبدو متجاهلا للأزمة ويتركها حتى تكبر. فإذا كانت هناك أزمة للسولار يضاعفها الدولار. بينما النظام لا يمتلك وعى بائعة جرجير للتعامل مع الأزمة.