تعالى معى نعد الخسائر، فلا يحق لمن لا يحصى خسائره أن ينتظر مكسبا، وأول هذه الخسارات هو أننا أصبحنا الآن ننظر إلى «حماس» التى كنا نعتبرها آية النضال الفلسطينى بمزيد من الريبة، ولا أفهم كيف تضحى حركة المقاومة الإسلامية بكل تاريخها النضالى وتلوث سمعتها بهذه الطريقة، كما لا أفهم كيف تضحى حماس بمصر وشعبها، ولن أستفيض فى الكلام عن أهمية مصر الاستراتيجية لحماس لأنها معلومة للجميع، ويؤسفنى أنى أقول إن الرابح الوحيد من هذه المعركة هى إسرائيل التى أصبحت توفر الآن جهدها وأسلحتها وجنودها لتتركنا وحدنا نقاوم بعضنا بعضا، وهو ما يضعنا فى مأزق حقيقى، هل أفرط فى أمنى القومى مقابل تستر أعمى على أفعال حماس غير المشروعة؟ أم أدافع عنه فأخسر «حماس»؟
هنا أضطر إلى ذكر واقعة لم أكن أنوى أن أكتب عنها، لكنى أرى نفسى الآن فى ذات الموقف، فقد وقع هجوم من جانب بعض أفراد الإخوان المسلمين وبعض عناصر حركة حازمون على دار القضاء العالى، فذهبت إلى مكان وقوع الهجوم لأرى بعينى ما يجرى، لكنى وصلت متأخرا فرأيت آثار الهجوم فحسب، ووقتها كان المستشار عبدالمجيد محمود يقعد مؤتمره الصحفى فى دار القضاء العالى بجوار المستشار أحمد الزند شارحا تفاصيل وملابسات إقالته، لكنى فى ذات اليوم قابلت صديقى الشهيد «الحسينى أبوضيف» فى ميدان التحرير، وكانت الاشتباكات دائرة على أطراف الميدان، فسألته، هل شاهدت الهجوم الذى وقع أمام دار القضاء العالى فقال لى نعم، وبدأ فى شرح وقائع الهجوم، ثم قال متأسيا: أغرب ما رأيته اليوم هو أننا حينما لاحقنا بعض المهاجمين أمسكنا باثنين، فوجدناهما فلسطينيين من «حماس»، فسلمناهما إلى نقابة المحامين، فاستنكرت هذه الفعلة على صديقى الشهيد، وقلت له كان يجب عليك أن تسلمهما إلى النيابة مباشرة، فقال لى: وهل ترضى أن تلوث سمعة المقاومة الفلسطينية بناء على أفعال خائبة لفصيل أهوج؟ فقلت له: طبعا لا أرضى، لكنى لا أرضى أيضا بأن ينتهك أمنى القومى من جانب أى بلد فى العالم حتى لو كان هذا البلد هو فلسطين، وتخيل معى لو كان هذا «المقاوم» قتل مصريا فماذا سيكون رد فعلك، ثم سألته مستنكرا: ما الذى يجعل هذين الشابين يتركان مقاومة إسرائيل ويأتيان ليقاوما مصريين؟ أليس هذا خيانة للمقاومة؟
كان صعبا على صديقى الشهيد وهو «القومى العربى الناصرى» أن يتخيل أن هناك أفرادا منتمين إلى حركة حماس يحملون «الشر» لمصر، وكان صعبا عليه أيضا أن يلوث سمعة «المقاومة» بيده وهو الذى عاش متغنيا بأمجادها، لكن بالنسبة لى فالأمر محسوم، لأنى أضع أمننا القومى فوق أى اعتبار، وما هى إلا أيام حتى مات صديقى متأثرا بإصابته فى الرأس أمام قصر الاتحادية، ولا أعلم حتى الآن بيد من قتل أبوضيف، لكنى أعلم جيدا أن الجماعة أعلنت «النفير العام» قبل ذهابها إلى أسوار الاتحادية تقتل وتضرب وتعذب، وأعلم أيضا أن هذا النفير لم يستثن أحدا من أفراد الجماعة فى مصر، سواء كانوا ينتمون إلى فرع مصر أو ينتمون إلى فرع فلسطين، وأعلم أيضا أن الجماعة استعانت بالكثير من أعضائها السوريين المقيمين فى مصر لهذا الغرض، واستغلت حاجة الكثير من اللاجئين السوريين لتدفعهم دفعا إلى قتال إخوانهم على أسوار الاتحادية، وهو الأمر الذى رأيته بعينى على صفحات الكثير من الإخوان، وأبلغنى به أيضا أصدقائى السوريون المناصرون للثورة السورية معلنين استياءهم من دعوة الإخوان لهم واستجابة الكثير من أبناء بلدهم إلى هذه الدعوة.
نكمل غدا..