قلت أمس إن من لا يحصى خسائره لا يحق له أن ينتظر مكسبا، ولأن خسائرنا الآن عظيمة، فإنى أبشرك بمكاسب عظيمة فى الأيام المقبلة، فقط إن حصرنا خسائرنا وعرفنا أسبابها ووقفنا على حقيقتها وأسبابها وطرق تجنبها.
أحدثك عن تداعيات خبر واقعة ضبط شحنة تهريبية لملابس الجيش المصرى إلى غزة منذ يومين وخسائره، وما تمثله هذه الضبطية من أهمية قصوى فى الكشف عن بعض خيوط اللعبة السياسية الدائرة الآن، خاصة فى ظل ارتباك فرع جماعة الإخوان فى فلسطين «حماس» وارتباك الفرع الأم فى «المقطم» وتابعه فى «الاتحادية» ولعل أهم ما تجسد فى هذا الأمر من خسائر هو أننا اكتشفنا أن فكرة «الأمن القومى» غائبة تماما عمن يديرون بلادنا الآن، وكأنهم من بلد آخر، أو أن لهم جيشا آخر غير جيشنا، وبذلك يتأكد بـ«التجربة» والوقائع التى لا تقبل المزايدة أن فصيل «الإخوان» لا يعتبر «مصر» أولا، لكنه يعتبر جماعته فوق كل شىء، حتى لو أن هذا الشىء هو «مصر».
ومن خسائرنا أيضا فى هذه الواقعة اهتزاز صورة الحكم «المدنى» الذى يدعى الإخوان أنهم يمثلونه، فلم يكن «محمد مرسى» على قدر المسؤولية تجاه هذه القضية الحيوية، ولم تكن جماعته كذلك على قدر المسؤولية، فقد بدا الأمر وكأنه لا يخصهم، بل تسرب إلى الجميع شعور بأن روح الـ«المتلبس» بالجرم قد تلبستهم، وبدوا أيضا كما لو أنهم يريدون التغطية على الأمر لا فتحه وتحقيقه، فأنت الآن أمام حكومة مختلفة عن حكومتك تنتهك أمنك القومى وتهرب ملابس جيشك ولا تعرف السبب وبدلا من أن تثير هذه الواقعة حميتك الوطنية، أثارت حميتك الطائفية، وتعاملت مع حماس باعتبارها جزءا منك، ولسان حالك يقول «يولع الجيش المصرى باللى فيه».
انتبه .. فتشويه «الحكم المدنى» يجرى الآن على قدم وساق تحت رعاية مرسى وجماعته، وللأسف فقد مثلت هذه الجماعة ثغرة فى أمننا القومى لا حائط صد أمام منتهكيه، وبدت وكأنها غير مستأمنة على بلادنا وهى التى تدعى خلاف ذلك، بينما ظهر الجيش فى صورة مرضية للمتعاطفين مع الحكم العسكرى باعتباره حامى الحدود والمدافع عن الأمن، وهو ما يجبر واحدا مثلى غير متعاطف مع الحكم العسكرى على أن «يبوس إيده وش وضهر» ويحمد الله لأن فى مصر جيشا يقظا يعلى شأن أمننا القومى على أى شأن آخر.
أشد ما يحزننى هو أن تلك الواقعة قد أعطت مصداقية كبيرة لإصرار القوات المسلحة على النص فى الدستور على محاكمة المدنيين الذين يضرون بالقوات المسلحة أمام محاكمات عسكرية، ولعلك تعرف أنى من أشد المناهضين لتلك المحاكمات، ولك أن تعرف أنى حينما هاجمت فكرة النص فى الدستور على المحاكمات العسكرية للمدنيين قال لى بعض قيادات الجيش إنهم لن يتنازلوا عن هذا النص لأنهم لا يثقون فى وطنية بعض الفصائل السياسية، وأنهم أيضا لا يثقون فى بعض رجال القانون الذين قد يسهل اختراقهم وتسييسهم، وهو ما عارضته حينها بكل ما أوتيت من قوة، لكن للأسف فقد أثبتت الأيام صدق ما قالت هذه القيادات، فقد رأينا أبشع صور تسييس القضاء، كما رأينا مدى وطنية الفصيل الحاكم، وكفى بهذه خسارة.