أى حاكم أمامه طريقان، الأول أن يكون رئيساً حقيقياً لشعب، والثانى أن يكون رئيساً حقيقياً لعصبة أو عصابة، أى حاكم أمامه اختياران، أن يسير «بما يرضى الله» وأن يتقى الله فى من استأمنوه، والثانى أن يسير بما يوافق أهواء عصبته مؤتمرا بأمرها، أى حاكم أمامه مصيران، أن يكلل بالغار إذا اتبع الاختيار الأول، أو يتوج بالأحذية إذا اتبع الاختيار الثانى، والعجب كل العجب أن تجد حاكما يسلك الطريق الأول ويلاقى مصير «الثانى» أو يسلك الطريق الثانى ويتوقع المصير الأول، فهذا لا يحدث أبداً إلا إذا اختلت الموازين وأصبح الظلم هو «الشريعة» وهذا ما يأباه الله ولا يسمح به لأن اسمه «العدل».
انظر لما حدث أمس الأول بتأن، وصارح نفسك واسألها: هل استأت مما حدث لشباب الإخوان الذى كان يعدون العدة ويمارسون التدريبات العسكرية لينكلوا بمن يتجرأ على مقر مكتب إرشادهم؟ ثم اسأل نفسك مرة أخرى هل انتابك نفس الشعور حينما رأيت قبل أيام شباب الإخوان ذاتهم وهم يضربون النساء وينكلون بالشباب؟ إذا كانت إجابتك «لا» فى الحالين فأرجوك لا تكمل هذا المقال ولا تكمل أى مقال آخر، لأنك لا تحتاج إلى مقالات أصلا، بل تحتاج إلى ما هو أقسى من التجارب لتعرف أنك على خطأ، وإذا كانت إجابتك نعم فى واحدة ولا فى أخرى فلا تكمل المقال أيضاً لأن بداخلك «غرض» أعماك عن التعاطف الإنسانى مع انتهاك الآدمية، أما إذا كانت إجابتك «نعم» فى الحالين فتعال لنرى ماذا نحن فاعلون.
هذه هى المرة الثالثة التى يتكرر فيها نفس السيناريو، المرة الأولى كانت على أبواب قصر الاتحادية، حينما أعد الإخوان العدة ليفضوا اعتصام شباب الثورة من أمام قصر رئيسهم، ونجحوا فى ذلك بالفعل لكنهم لم يهنأوا بفضهم، وما هى إلا ساعات حتى احتشد آلاف الشباب لمواجهتهم، وصارت المواجهة الشاملة التى راح ضحيتها العديد من شباب الإخوان والعديد من شباب الثورة، غير أن خسائر الإخوان كانت أكثر، والمرة الثانية كانت فى الإسكندرية حينما ذهب شباب الإخوان والسلفيين إلى الإسكندرية «ليؤدبوا» شباب الثورة هناك لأنهم بحسب قولهم اعتدوا على الشيخ المحلاوى الذى اضطر إلى ادعاء مخالفة الواقع وادعى أنه لم يتطرق فى خطابه سبب الفتنة إلى التحدث فى السياسة وترغيب الناس فى قول «نعم» للدستور، وهو الأمر الذى ثبت عدم صحته بعد ظهور تسجيل الفيديو الخاص بالخطبة، وهناك فى الإسكندرية تكرر ما وقع فى الاتحادية، وتم التنكيل بشباب الإخوان والسلفيين، أما المرة الثالثة من مرات المواجهة الشاملة فكانت أمس الأول، حيث تحصن شباب الإخوان بأسلحتهم وداخليتهم وقنابلهم المسيلة للدموع كما تحصنوا ببيوت الله وحولوها إلى «سلخانات» تعذيب كما فى المرتين السابقتين، وتنادوا إن المتظاهرين يحاصرون بيوت الله، ثم كانت الخسارة حليفهم للمرة الثالثة، وبعد ما كانوا يمارسون التمارين الرياضية ويشيعون أنهم الأقوى صاروا يتباكون على مصابهم وخسائرهم.
لم أقصد من هذا السرد سوى أن أبرز التشابه فى المرات الثلاثة، والتى أحسبها «إنذارات» من الله ليفيق الحاكم ومن معه من غفلتهم، وليتأكدوا من أنهم لم يستطيعوا أن يقهروا شعبا بأكمله، وإن استعراضاتهم الخائبة لن تنجح فى إرهاب أحد، وإن تهديدهم بالتصعيد لن يأت إليهم إلا بالمزيد من الخسائر التى ستوجعنا أيضاً لأنهم شباب ومصريون ومخلصون برغم ما يعتليهم من كبر وما ينتابهم من مكابرة، ولهذا يؤسفنى أن أقول إن المصير الوحيد الذى ينبئ به الوقائع هو المزيد من الدماء، إذا لم يعتبر قادة الإخوان من «المرات الثلاثة» وإذا استمروا فى عنادهم وتجبرهم وتكبرهم وإقصائهم واستبدادهم وعبثهم بأمننا القومى وسيرهم فى سيناريو «الأخونة» الخائن، فهل يعتبر الإخوان؟ أشك.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة