الأحداث تتكرر، بشكل يتجاوز المأساة والملهاة. بعد أكثر من عامين على إزاحة نظام متسلط، نجد أنفسنا أمام حالة من الانسداد والاستقطاب والاتهامات والدعوة إلى الإجراءات الاستثنائية. هرمونات السلطة تتفاعل لتعيد نظاماً للحكم يقف فى مواجهة الجميع، يرفض الاستماع إلى الأصوات والنصائح، ويتحدث عن إجراءات استثنائية، وقمعية تجاه من كانوا حلفاء حتى وقت قريب. هؤلاء الذين ساهم عدد منهم فى وصول الرئيس والجماعة يجدون أنفسهم مطلوبين لدفع ثمن هذا الاختيار. وأصبحنا أمام نظام يرفض الاستماع لغير صوته وأصوات مؤيديه، ولا يرى الأزمة من حوله، يكتفى بتبرير سياساته وقمعه.
مفارقة أن من كانوا معارضين لمبارك متهمين بالتآمر ضد الدولة، وضد الرئيس مرسى ونظامه، ومتهمين بالتحالف مع نظام مبارك. والمفارقة الأكبر أن ما يجرى من انتقام ضد سياسيين، لم يحدث بهذا الشكل مع مبارك أو المجلس العسكرى.
كان الشعب يتوقع ويتصور أنها سوف تنتقل من سوء الفهم، وسوء الإدارة إلى المشاركة، وتنتهى مراحل كانت القرارات فيها تصدر داخل معابد مغلقة. بقيت الطريقة هى نفسها تقريباً، استحوذت فئة واحدة على السلطة، واستبدلت الوجوه من دون أن تغير الطريقة.
بينما إعادة النظام السابق لا تتم من خلال التصورات الساذجة التى ترسم سيناريوهات لاتفاقات تحتية وفوقية، لكن النظام السابق بتسلطه يعود باستمرار نفس القواعد، والانتهازيون وصناع التسلط جاهزون دائماً للانضمام إلى أى حزب فى السلطة، جاهزون لتفسير أى اعتراض على السلطة بأنه تحالف مع الماضى، والانتهازية مثل التسلط ليست أشخاصا، لكنها قدرات وإمكانات وطريقة تفكير.
مانراه الآن هو أن أهل الثقة الجدد مكان أهل الثقة القدامى، لا فصل بين السلطات والمصالح المتعارضة والمتضاربة والمتداخلة. وينمو صناع التسلط فى وجود القواعد العرجاء، والقوانين الفاسدة، والخلط بين السلطات، وهى أمور لم تتغير، وإنما تغيرت حتى الآن بعض الوجوه، التسلط لا ينمو فجأة، ولا يولد من العدم، ولكنه يتكون على مدى الأيام، خطوة خطوة، ويبدأ من غياب الفصل بين السلطات، أو بين الرئيس والحزب والحكومة. ودهاقنة التسلط يبررون ما كانوا يرفضونه، ويدافعون عما كانوا يستهجنونه، ويتحدثون باسم الثورة بينما هم يعملون بنفس طريقة الثورة المضادة جاهزون دائماً للعب دور كان يلعبه رجال مبارك وبنفس الطريقة.
سقطت الأنظمة، ولم ينته سوء الفهم، والطريقة والمنهج قرارات فوقية، ومحاولة فرض أمر واقع، يستبعد الشعب من المعادلة ويسهل للمحترفين فقط والقادرين. الأولويات والأهداف غامضة وأحوال التعليم والعلاج والنقل والإسكان كما كانت فى السابق. لا يعرف الناس «رأسهم من أقدامهم»، ولا يطمئنوا لحالة الاستقطاب والانقسام. السلطة لا تعترف بأن قطاعا واسعا فى الشارع يشعر بالغضب من تأخر تنفيذ الوعود، وارتباك الحكومة والرئاسة فى قضايا المجتمع، كالخبز والنظافة والوقود والمرور والعلاج، يرون فقط التركيز على تمكين الموالين، واستبدال أشخاص بآخرين، وليس نظاما بآخر.
يتجاهلون الفشل ويبررونه ويدافعون عنه، ويتهمون من يرفض ذلك بأنه يريد إعادة نظام مبارك بينما هم ذهبوا، لكن النظام يعيد بناء نفسه بوجوه جديدة للتسلط والاحتكار. سقطت الأنظمة المتسلطة وتبدلت الأشكال، وجاء أشخاص مكان أشخاص، وبقى سوء الفهم وسوء التقدير والرغبة فى الاحتكار قائمة. وتتكرر الأحداث بما يجاوز المسخرة.