تزودنا تجربة حكم الإخوان بالكثير من الخبرات، وتمدنا بالكثير من المعارف، وهذا فى حد ذاته مكسب كبير للعشب المصرى وإضافة حساسة للوعى السياسى وللمهتمين بأمور الحكم، كما أن هذه التجربة غاية فى الأهمية بالنسبة لناخبين الذين يذهبون للإدلاء بأصواتهم فى صناديق الاقتراع بناء على «كلام» قيل أو سمع أو تداول أو انتشر، والحكمة الأكبر تتلخص فى أننا الآن قد تعلمنا ألا نحكم على أحد بناء على الشعارات التى يرفعها ولا على المقولات التى يرددها، وإنما بناء على دلائل ملموسة وتجارب متحققة وبرنامج واضح بجدول زمنى معلوم تسقط بعدها شرعية من لا يلتزم به.
ولك أن تعلم أن ضوء الإعلام إن لم يوجه إلى صناع القرار والسياسيين لظلوا فى كهوف الظلمة قابلين للعفن ومستعدين للإفساد، فإن رأيت أحدا يهاجم الإعلام بكلمات مرسلة أو اتهامات غير ثابتة فاعلم أن ما يخفيه من جرائم أضعاف ما يظهر للرأى العام، وإنه حينما انكشف أمره فى شىء كان مخفيا ارتعب من فكرة أن يتم كشف باقى الأشياء.
نحن الآن أمام تحول تاريخى فى مسيرة جماعة الإخوان السياسية، فلأول مرة يتم تسليط الضوء عليهم بهذا الشكل، ولأول مرة يصبحون فى موقع المسؤولية من رأس الدولة إلى أخمصها، ولهذا يصبح لتقرير الجهاز المركزى للمحاسبات الذى أكد أن هناك تجاوزات مالية فى نقابة الأطباء.
وقت أن كان القيادى الإخوانى المثير للجدل الدكتور عصام العريان مسؤولا عن عن شؤونها المالية، وهو ما أصاب العريان بصدمة كبيرة.
كما أصاب مؤيدى الإخوان بصاعقة لم يستوعبوا آثارها بعد، فقد كانت الكلمة الرائجة على لسان الإخوان ومن تأخون إذا ما لاقى هجوما على أفكار جماعته وممارساتها هى أن يقول إن الإخوان غير فاسدين وهذا يكفى لترجيح كفتهم على كفة النظام السابق الذى شهد له الجميع بالفساد، وكانوا يضربون المثل بعملهم فى النقابات ومدى ما كانوا يدعونه من أمانة ونزاهة، لكنى أعتقد أنه بعد أن كشف الجهاز المركزى للمحاسبات أمر هذه المخالفات أن هناك تحولا كبيرا حدث فى تاريخ الإخوان، فقد أبطل مفعول سحرهم فى النقابات وتبددت تلك الصورة الذهنية عن أمانتهم ونزاهتهم، وأعتقد أنه لو صحت هذه التجاوزات فإن تلك الواقعة ستكون القاصمة.
لا مجال هنا لحديث الدكتور عصام العريان عن تبريراته لهذه التجاوزات، فقد أعمته الصدمة عن الرؤية، ومضى مكذبا ملوحا مهددا متوعدا، فمرة يقول لا يوجد تجاوزات، ومرة يقول لقد كنت مسجونا وقت وقوع هذه التجاوزات، ولكنى أرى أن هناك شيئا ما غامض فى هذا الأمر.
وهو أن نقابة الأطباء بتشكيلها الحالى بدت وكأنها لا تبالى بالأمر، وظهر الدكتور خيرى عبدالجواد نقيب الأطباء فى العديد من وسائل الإعلام ليقول إن التجاوزات التى تحدث عنها تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات ناتجة من عدم وفاء أعضاء النقابة بتسديد ما عليهم من أقساط، حاصرا تلك التجاوزات فى هذا الأمر، متناسيا أن الفساد الحقيقى كما ذكر التقرير يكمن فى عدم الانضباط فى حسابات النقابة خاصة فيما يتعلق بلجنة الإغاثة، وفى وجود شبهة فساد فى عدم توريد أكثر من 300 ألف جنيه من نقابة أطباء القليوبية إلى النقابة العامة، وهو ما يفتح باب التكهنات حول مصير هذه الأموال ومدى تورط قيادات النقابة التى يحكمها الإخوان منذ أمد بعيد فى هذا الأمر.