«اضطرينا نضحى بالجنين علشان الأم تعيش».. جملة كانت على لسان الأطباء فى الأفلام العربى، ولم يحدث أن ضحى الأطباء بالأم والجنين معاً، لكن يبدو أننا لو استمرت الحالة السياسية والحرائق والمصادمات، فسوف نسمع من يعلن لنا التضحية بالشعب والدولة من أجل أن تنجح عملية الانتخابات.
فهذه الحرائق والمصادمات فى كل مكان، والطرق المسدودة بلا نهاية. تختفى السياسة وتعود الشرطة للمواجهة. تغيب الرئاسة عن المشهد، وتكتفى الحكومة بتقديم حجج ومبررات وشماعات، وتتجاهل الغضب الذى يكبر والطوابير التى تطول، والعجز عن تقديم حل سياسى يمكنه امتصاص الاحتقان.
وسط هذه الحرائق تتمسك الرئاسة والحكومة وجماعة الإخوان بالسير فى طريق الانتخابات، ويعتبرون الحل فى الانتخابات، غير ملتفتين لما يجرى من حرائق تجاوزت بورسعيد إلى محافظات أخرى، منها الدقهلية والغربية والسويس والإسماعيلية والإسكندرية، ناهيك عن القاهرة التى تشهد المزيد من الحرائق والمصادمات، دون قدرة على مواجهتها، والاكتفاء باتهام أطراف غامضة بالتورط.
هناك إصرار من جماعة الإخوان والرئاسة على السير إلى الانتخابات، معتبرين أن الصناديق وحدها سوف تنهى كل هذه الحرائق فوراً، فى وقت يعجز فيه مجلس الشورى الذى حصل على سلطة التشريع عن مواجهة الحرائق. وإذا كانت بورسعيد تحتل مقدمة المشهد، فإن باقى المحافظات تنسف تبريرات الحكومة، وفشلها فى القيام ولو حتى بدور المطافى. حكومة قنديل تتهم الغاضبين جميعا بأنهم بلطجية، لا فرق بين غاضبى السولار، والعاطلين والحانقين والمحبطين من السياسات.
هناك لغز فى أداء الداخلية والحكومة فى مواجهة بورسعيد. يستمر ألتراس الأهلى فى مظاهراته. يحاصر البنك المركزى والبورصة، ويقطع طرقات وكبارى. الداخلية لم تصل فى مواجهتها مع الألتراس إلى الصدام، فى المقابل واصلوا الصدام مع أهالى بورسعيد بعد صدور قرار المحكمة، وسقط عشرات القتلى عقب صدور الحكم، ولم يتم التحقيق فى قتلهم، ولما تظاهروا غضباً واجهتهم الداخلية بعنف، وسقط المزيد من القتلى، وبدأت دائرة الدم والنار، وتم فرض حظر التجوال، وحالة الطوارئ.
تبنت الحكومة والجماعة نظرية أن من يمارس التظاهر هم بلطجية، متجاهلة عشرات الأسر التى فقدت أبناءها.
بعد فرض الحظر هدأت الأحوال، وبالرغم من غياب الحكومة عن المشهد، بدأت لجنة الحكماء فى بورسعيد عملها، وكشف الشيخ على فودة، عضو لجنة الحكماء، أن لجنة الحكماء كادت تصل لبعض الحلول مع أهالى المحكوم عليهم، وإقناعهم بنتيجة الحكم فى جلسة 9 مارس، والتعامل بطرق قانونية، وتم تجميع العقلاء وكبار بورسعيد مع قيادات الشرطة لفض النزاع الدائر، والخروج من الأزمة، وفوجئوا بعد التفاوض وخروجهم من مديرية الأمن باختطاف أولادهم الفجر وسجنهم، وهو ما أعاد الأحداث للاشتعال مرة أخرى، وسقط المزيد من الضحايا، الأمر الذى أغضب الأهالى فهاجموا مديرية الأمن، واشتعلت مديرية الأمن والأمن الوطنى، وعادت الأحداث لنقطة الصفر.
النار تجاوزت بورسعيد، وامتدت لباقى محافظات بحرى وقبلى، ومعها طوابير السولار، وقطع الطرقات. كل هذه الحرائق، وتتمسك الرئاسة والحكومة والجماعة بالانتخابات، ويؤكدون أن الانتخابات وحدها تحل كل شىء، يفعلون ذلك من دون تلبية مطالب المعارضة بوضع ضمانات حقيقية للانتخابات، وتم طرح قانون الانتخابات باستعجال، وعلى طريقة الدستور. ومن الانتخابات وكراسى البرلمان يبدو النظام مستعداً للتضحية بكل شىء من أجل أن تعيش الانتخابات.