لا يحتاج العاقل ولا المجنون إلى الكثير من الجهد والتفكير ليكتشف كمية العبث السياسى، والإصرار على السير عكس الاتجاه والعقل والمنطق. ولعل حكم محكمة القضاء الإدارى بإلغاء قرار الرئيس مرسى، ووقف الانتخابات، خير دليل على الفشل السياسى والتشريعى، وشهوة السلطة التى تدفع لمزيد من الطمع والتسلط.
حكم وقف الانتخابات بقدر ما يكشف عن سوء التقدير والإدارة والنية، يمنح فرصة ربما تكون أخيرة، ليعيد النظام النظر فى طريقة الإدارة، ويتراجع عن الطمع والعناد والاحتكار الذى يهدد بمزيد من «اللعبكة السياسية».
لقد استمر تقنين البطلان فى قانون انتخابات مجلس النواب، بالرغم من حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلانه، وهو ما كشف أن السادة الترزية الكبار فى مجلس الشورى فاشلون حتى فى التفصيل، وبدلاً من أن يخجلوا، فإذا ببعضهم يدافع عن البطلان، ويهاجم المحكمة، ويتهمها بالتسييس. لم يكن حكم الدستورية ببطلان مشروع الشورى مفاجأة، وكان القاصى والدانى يعلم أنه مهلهل وفاقد لأبسط قواعد التشريع، ومع هذا لم يأت الحكم على هوى الترزية. مجلس الشورى يتعامل مع التشريع بالهوى، وينفذ أهدافا لجماعة الإخوان والرئاسة، ولا يضع فى اعتباره الدولة والوطن.
تجاهلت الرئاسة مطالب المعارضة وفقهاء القانون، وأصرت على تمرير القانون غير مكتمل، وتم فتح باب الانتخابات فى وقت محتقن، بدعوى احترام مواعيد الدستور، ضمن حالة يتم فيها احترام الدستور إذا كان لصالح الجماعة، وتجاهله إذا كان لصالح الدولة. وأصر مجلس الشورى على فعل قانون «الانتخابات» فى الطريق العام. ثم دعا الرئيس للانتخابات متجاهلا المحكمة الدستورية، وأصر مع الجماعة على التمسك بحكومة منحازة بوضوح وتفتقد الحياد، فضلاً على فشلها الواضح بالعين المجردة.
وعليه، فقد جاء حكم القضاء الإدارى ليكشف عن حالة «العك السياسى» التى تحكم البلاد منذ شهور، والمثير أن حكم المحكمة بوقف الانتخابات استند إلى الدستور المعيب الذى «قرطسته» الجمعية التأسيسية للغريانى، وطبخته فى منتصف الليل، وكان طبخة سممت الأجواء السياسية التى سممها الإعلان الديكتاتورى للرئيس. وطوال شهور كان الرئيس يصدر قراراته، ثم يدعو للحوار حولها، وهى حالة سياسية غير مسبوقة، وتأتى أحكام القضاء لتؤكد بطلان ما سبق التحذير من بطلانه.
وربما تخلو علوم السياسة والاقتصاد من وصف لما يجرى فى عالم السياسة ومجالس الشورى والتشريع. ولم يتوقف كبار المتنططين عن التقافز حول الانتخابات كأنها غنيمة حرب يستعدون لافتراسها.
ولم تكن الدنيا تنقلب لو تمهل الرئيس والترزية قليلاً لتدارس القوانين، ومناقشتها، والتفكير فيها بدلاً من حالة التفعيص السياسى العبثى، وادعاء الذكاء والفهم، والرغبة الجامحة فى التهام السلطة، بالرغم من الفشل فى استخدامها.
ولا نعرف من أين يحضر السادة الترزية والمفصلاتية بهذا اليقين الغريب وهم يبررون الباطل، ويمررون القوانين بطريقة أسوأ كثيراً مما كان يجرى أيام مبارك، والغريب أنهم يتصرفون كالثورة المضادة وهم يتحدثون عن الثورة، ويتحدثون عن الانتخابات والصناديق على أنها غاية وليست وسيلة.
لقد جاء حكم وقف الانتخابات ليقدم الفرصة التى قد تكون أخيرة للنظام، وعلى الرئيس أن يختار بين أن يكون رئيسًا للدولة والمصريين، أو ممثلاً لجماعة مصالح تقود البلاد إلى هاوية بفضل العك التكتيكى، والتفعيص السياسى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة