حنان شومان

رسالة من الرئيس لينكولن إلى الرئيس مرسى

الجمعة، 08 مارس 2013 12:42 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا حاصرتك الهموم أو التوتر أو ضاقت بك السبل أحياناً، اتجه فوراً إلى أقرب دار عرض لبيتك أو لمكان عملك، واشترِ تذكرة لمشاهدة فيلم أى فيلم، ولكن حاول أن يكون فيلما جيد الصنع، لتكون متأكداً أنه سيفصلك عن الأزمة التى تعيشها على الأقل مدة ساعتين، وبعدها ستجد نفسك بالتأكيد فى حال غير الحال الذى كنت عليه، تلك نصيحة جربتها عشرات بل مئات بل آلاف المرات، وللحق ما خابت مرة. ولهذا فقد وجدت نفسى دون إرادة أتجه لدار العرض أبحث عن فيلم أشاهده، عله يستطيع أن يشغل عقلى عما يدور فى مصر من حرائق وكوارث فى كل مكان، ولم يكن لدى الخيار الكثير، فليس هناك أفضل من أن أشاهد فيلما من إخراج عبقرى السينما ستيفن سبيلبيرج «لينكولن»، والذى تم ترشيحه لـ12 جائزة أوسكار، وإن لم يفز سوى بإثنتين أفضل تمثيل للبطل دانيال داى لويس، وأفضل إنتاج. ودخلت أشاهد الفيلم وكلى أمل أن أنسى أو على الأقل أن أبتعد، ولو لساعات عن مصر وأحوالها، وأتلهى بأمريكا وتاريخها مع رئيس تكاد تقدسه الأجيال جيلا بعد جيل، ويعتبره الأمريكيون مؤسس أمريكا الحديثة، رغم أنه كان الرئيس السادس عشر من بين رؤسائها.

وقبل أن أحكى لكم عن الفيلم، على أن أشير إلى بعض المعلومات الهامة التى يجب أن تعرفها عن هذا الرئيس، الذى ولد لأسرة فقيرة لأبوين مزارعين، ولم يكمل تعليمه، ورغم هذا فقد كان كاتباً شهيراً.. وتم انتخابة عضوا فى مجلس النواب الأمريكى، واستطاع بعد أن انضم للحزب الجمهورى، أن يفوز بالرئاسة عام 1860، ليصبح الرئيس السادس عشر فى تاريخ أمريكا القصير، وما إن تم إعلان فوز لينكولن بالرئاسة، إلا وقد أعلنت ولاية ساوث كارولينا الجنوبية انفصالها، ثم تبعتها ست ولايات أخرى جنوبية، وكان ذلك بسبب أن لينكولن كان يعلن رغبته فى إلغاء الرق والعبودية تماما فى أمريكا، التى كانت مقسمة إلى ولايات شمالية، منعت الرق منذ أوائل القرن التاسع عشر، واتجهت للصناعة، وولايات جنوبية لم تمنع الرق، حيث يقوم اقتصادها على الزراعة الكثيفة، وخصوصاً القطن، وتعتمد على العبيد فى العمل، ولذلك أعلنت الولايات الجنوبية انفصالها لتكون كونفدرالية، انضمت لها ولايات أخرى بلغ عددها 11 ولاية.

وفى 1861 كانت حادثة معركة حصن سمتر هى الشرارة الأولى للحرب الأهلية الأمريكية، التى قتل فيها أكثر من نصف مليون أمريكى من الطرفين، ولم يكن لينكولن هو صاحب القرار فى الحرب، ولكنه كان مدفوعا إليها، وواصل القتال رغم أن مؤيديه بدأوا يقلون بسبب إحساسهم أنها حرب من أجل الزنوج، بدلا من حرب من أجل توحيد البلاد، ورغم ذلك فقد تم انتخاب لينكولن لولاية ثانية عام 1864، وكانت معركة لينكولن الأساسية فى الفترة الثانية لولايته، هو إجراء التعديل الثالث عشر فى الدستور الأمريكى الذى يلغى أى نوع من أنواع العبودية، ويساوى بين كل أمريكى بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين، وما إن نجح فى ذلك وانتصر فى الحرب، وأعاد توحيد الولايات المتحدة الأمريكية، وأدار مصالحة وطنية كبيرة، إلا وتم اغتياله وهو يشاهد مسرحية مع أسرته عام 1865، فانتهت حياة زعيم عظيم، مات وهو يحارب من أجل وحدة بلاده وحرية وكرامة البشر.

وفيلم سبيلبرج لا يتناول كل ما رصدته عن حياة لينكولن، ولكنه يتناول الفترة الأهم والأخيرة فى حياته، وكيف استطاع أن يدبر التأييد فى مجلس النواب للتعديل الذى ينشده، وكيف أن لعبة السياسة هى لعبة الذكاء والحيلة والممكن، وحتى غير الممكن من أجل هدف سامٍ كان يسعى له لينكولن، ورغم أن فترة رئاسة هذا الرئيس قد شهدت حربا أهلية ضروسا، إلا أن سبيلبرج لم يقدم لنا فى الفيلم مشاهد الحرب، بقدر ما قدم لنا نتيجة الحرب مشاهد قليلة لجثث بالآلاف، مكومة فوق بعضها البعض، ودماء فى كل مكان، ثم حكمة حاكم وقائد يتسامح ويطلب من أمته أن تسامح من أجل مستقبل أفضل، وأكثر حرية وديمقراطية وإنسانية، ثم يغتال على يد متطرف من الجنوب.

ويتطرق الفيلم من دهاليز السياسة إلى تفاصيل إنسانية فى حياة لينكولن، مثل علاقته بزوجته وولديه، وكيف كما أنه كان حكيماً فى حكم البلاد، كان أيضاً حكيما كزوج وأب.
استطاع الممثل المبدع دانيال داى لويس صاحب أكبرعدد من الأوسكار فى تاريخ الجائزة، أن يقتنص الجائزة هذا العام للمرة الثالثة، فيعيد لنا لينكولن الذى لا نعرفه إلا بقبعته العالية، ليجسده حقيقة بصوت وأداء هادىء مناسب لزعيم يراه شعبه رمزا باقيا.. واستطاعت سالى فيلد فى دور زوجة لينكولن، أن تقدم دوراً وأداءً مبهراً رشحها للجائزة، وإن لم تنلها، ولكنها تظل من ممثلات هوليوود العلامات، كما فعل نفس الإبداع تومى لى جونز فى دور النائب الأمريكى المنافس للينكولن، إلا أنه يساعده فى الوصول لهدفه فى منع الرق، فهو متزوج من سيدة سوداء فى الخفاء، وبالتأكيد فإن كاتب السيناريو هو البطل الحقيقى لهذا الفيلم، الذى استطاع أن يضفر تفاصيل الماضى والتاريخ والسياسة ودهاليزها بإبداع تحبس نفسك معه.

لينكولن فيلم استطاع كل مشارك فيه بداية من مخرجه وصاحبه سبيلبرج، مرورا بكل عناصره من تمثيل وموسيقى وتصوير ومونتاج وأزياء، أن يصنع تاريخاً له من تاريخ زعيم، دخلت أشاهد فيلم لينكولن لأغوص فى التاريخ البعيد، وأتوجه صوب الغرب حتى أخرج من ضيق بلادى، ولكنى مااستطعت.. فقد قَلّب على الفيلم المواجع أكثر، ودفعنى غصباً عنى لأن أقارن بين رئيس تولى حكم بلاد متفرقة فجمعها، وتولى حكم بلاد تزدرى وتستعبد طائفة منها طائفة أخرى فحارب ليساوى بين كل مواطنيها، ويضع المبدأ فى دستورها الدائم، ورئيس تولى حكم بلاد تم دفعه إلى حرب، ولكنه أنهاها بالتسامح حتى مع الانفصاليين.. وغصباً عنى ثانية شعرت بأن لينكولن يرسل رسالة لرئيس تولى حكم مصر، وهى موحدة فيكاد يفرقها، رئيس يحارب من أجل أن يرفع عشيرته فوق رقاب العباد، ويضع فى الدستور ما يفaرق ولا يجمع، ويدفع أبناء الوطن الواحد إلى حافة الحرب فى كل مكان، ويوغر الصدور حتى لا تعرف التسامح.. صحيح أن لينكولن أتى من التاريخ البعيد، ولكنه يرسل بفيلم عنه، رسالة للرئيس مرسى، فهل أطمع أن أطالب رئيس مصر بمشاهدة فيلم لينكولن لعله يتعلم من التاريخ.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة