صورتان واسم واحد.. محمد الجندى هو الاسم، والصورتان، واحدة يبستم فيها للحياة، قلبه ينبض للثورة وبالثورة، تضحك عيناه للحق والجمال، لدنيا الله الواسعة التى زار بلادا فيها، ولسانه فصيح بلغة أهلها، بين يديه ورقة عليها: «عاجل، أنا مش بلطجى»، يوجه نداءه إلى غلاظ القلوب الذين أصبحت الثورة لديهم «بلطجة»، والثوار «بلطجية».
الصورة الثانية، يتمدد محمد على سرير الموت، أنابيب تخرج من جسده النحيل، بدلته الخضراء تخفى غل الذين عذبوه، لكنها تفضح من تفننوا فى نسج قصة من الخيال حول موته، قالوا بأن سيارة دهسته فقصفت عمره، وفى جيوبه قناع «بلاك بوك»، ظنوا أنهم بذلك يسحبون من رصيده الثورى، أكملوا خيبتهم بتقرير مزور، فصاحت أمه القوية رغم حزنها: « أنا شفت التعذيب الوحشى على جسم ابنى.. ربنا ما بيضيعش حق مظلوم».
«ربنا ما بيضيعش حق مظلوم»، هل سمعها المستشار أحمد مكى وزير العدل من أم محمد؟، مكى قال قبل أن يظهر التقرير المزور: «مات الجندى فى حادث سيارة»، من أمده بذلك؟، من صنع هذه الطبخة الحمضانة؟، مكى كان يستكمل سلسلة آرائه الغريبة، قال مثلها عن المحكمة الدستورية فنادى الذين حاصروها، ونادى الذين أسخطوها فى دستورهم البغيض، مكى نسى تسجيل التاريخ لكل هفوة، ما ذكره عن موت الجندى بسيارة يستحق المساءلة، نظام مرسى كله يستحق المحاكمة ليس عن كذبه وتدليسه، ولكن لأن الشهداء فى عهده يتساقطون دون ضمير، عددهم حتى يوم الأربعاء 78 شهيدا، والإصابات بالمئات.
بعض الشهداء لم يكونوا على الطرقات فنعثر على جثامينهم الطاهرة بسهولة، وإنما اختفوا ثم عادوا لحما مشويا، من اختطفهم وشوى لحمهم يا دكتور مرسى؟، من يقوم بدور العصابات الليلية؟، هل هى أجهزتك الأمنية، أم أجهزة أخرى لا يعرف سرها سواك وجماعتك؟.
25 يوما، شهرا، أكثر، أقل، عاش المخطوف تحت سوط الجلاد، وعاشت أمه انتظارا، حتى وجدته جثة فى الظلام، «أجمل الأمهات التى انتظرت ابنها وعاد.. عاد مستشهدا.. فبكت دمعتين ووردة.. ولم تنزو فى ثياب الحداد»، هكذا خاطب محمود درويش أمهات الشهداء، الجندى، وكريستى، وعمرو سعد، وصلاح جيكا، والحسينى أبوضيف، ومحمد الشافعى، وغيرهم.
«أم الجندى» لم تنزو فى ثياب الحداد، قالت: «يوم موت ابنى قلت هو فى عرس، هو مع بنات الحور فى الجنة»، يوم ظهور التقرير الذى أكد تعذيب ولدها حتى غاب فى الملكوت، قالت: «قضية محمد بدأت»، قالت لـ«وائل الإبراشى» على الهواء: «عزى لى يا أستاذ وائل والدة محمد الشافعى»، هكذا تتوحد أمهات الشهداء، «أم الشافعى» ردت: «بحثت عنى ابنى 25 يوما لأدفنه.. ولا شاب من الثوار كان طالع يجيب حاجة لنفسه، متصدقوش إنهم موقفين حال البلد.. مرسى اللى انتخبته وانتخبت الإخوان هما اللى موقفين الحال»، هكذا أصبح أمهات الشهداء قنبلة موقوتة فى وجه مرسى ونظامه وإخوانه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة