وكأنها نسخة أصلية لما يجب أن تكون عليه الأم المصرية، بلاغة نابعة من القلب، وسماحة من عند الله، وألم حقيقى يليق بأم شهيد، وصوت واثق دون غرور، خاشع دون وهن، تجمع فى ملامحها الأصيلة رسوخ الهوية، ويقين أهل الجنة وقوة أُلى العزم، صابرة وهى صاحبة المصاب الجم، شاكرة وهى التى ابتليت فى أعز ما تملك، محتسبة وهى التى رأت الزور يحول حولها فما تزعزع ثباتها وما بدلت موقفها، تكلم ابنها وتناديه وتناجيه وهى تعلم أنه يسمعها ويراها، فهو بإذن الله من تلك الفئة التى قال عنها رب العزة «أحياء عند ربهم يرزقون».
فى عينها تلك الحيرة الأبدية التى تراها فى قابعة فى عيون كل من فقد أثمن ما لديه، لكن حيرتها لم تشتتها ولم تحد بها عن هدفها، وضعها ابتلاؤها فى ابنها البار فى قلب المحنة والأزمة، ففقدت مصر أحد ثوراها الأبرار، وفقد الميدان أحد صناعه الأطهار، لكن ثورتنا اكتسبت بظهور هذه الأم الأصيلة «أما» للثوار أجمعين، فصارت الناطقة الرسمية بآلام الأمهات، والمتحدثة الرسمية باسم مصر المؤمنة الثائرة، تحمل شخصية مصرية أصيلة كنا نظن أنها انقرضت، يتخيل الواحد من فرط قربتها للروح أنها أمه، ويتمنى أن تكون أم أولاده هكذا دون زيادة أو نقصان.
تجتمع فى هذه الأم المناضلة، صفات الأمهات الأوائل، وكأنها أسطورة حية تعلمنا معانى افتقدناها، وتلقننا دروسا نحن فى أمس الحاجة إليها، رأيتها مع الإعلامى خيرى رمضان فى برنامجه على قناة السى بى سى تتكلم فشعرت أنها تحمل ذلك الألم الذى حملته إيزيس وهى تبحث عن جثة حبيبها، ورأيت فى عينيها ذلك الصبر الذى تجرعته سيدتنا «السيدة زينب» حينما فقدت «الحسين» تبتهل إلى الله وتحمده، وتشكو إليه قلة حيلتها واستضعافها، تقول له يا إلهى: أنت رب المستضعفين وأنت ربى، إلى من تكلنى، إلى جماعة ملكتها أمرى، أم إلى مسؤول يتجهمنى، إن لم يكن بك غضب علىّ فلا أبالى، وأنى أسألك أن تجعل لى آية وبرهانا، بأن يزورنى حبيبى فى المنام مبتسما، وما كان الله ليترك من استجار به، وما كان الله ليضيع أجر المحتسبين.
فى اليوم العالمى للمرأة، لا أجد من يستحق التحية والتكريم أكثر من هذه الأم الصابرة، فهى التى تحملت غياب ابنها بجلد ومثابرة، وهى التى رأته فى غرف العناية المركزة وقد تغير شكله بعد أن أصبح مرصعا بالآلام، وهى التى احتملت كل سخافات الجماعة – عديمة الضمير – واتهاماتها لابنها بأنه بلطجى أو مأجور فدافعت عنه وزادت عن شرفه بجسارة وقوة، وهى التى تحملت الظلم الممنهج الوقح، إذ أراد هذا النظام المجرم أن يغمض حق ابنها ويدعى أنه مات فى حادثة سيارة فصبرت واحتسبت وناضلت حتى ظهرت الحقيقة، وهى التى تحملت أيضا الزج باسم ابنها لتشويه مؤسس التيار الشعبى «حمدين صباحى» فظهرت لتشكره على وقوفه بجانبها فى وقت الشدة، قائلة له إنه ابنها مات وهو يحبه وأنها تكن له كل المحبة والاعتزاز، فصارت هى المظلومة التى تدافع عن المظلومين حتى ظهر الحق وزهق الباطل، فقبلة منى على يدك الطاهرة يا أم المستضعفين، وأم الصابرين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة