«اللى مايشوفش من الغربال أعمى»، هكذا قال المثل، لكن ما بالنا بمن لا يرى من النافذة، ومن الشارع. لا شك تجاوز العمى البصرى إلى عمى سياسى، وهو ما نراه الآن من النظام الحاكم بمشتملاته. نظام لا يهتم بغير السلطة والكراسى والمناصب، فى وقت عجز فيه عن استغلال ما هو متوفر فى يديه من سلطات.
المشهد اليوم فى مصر مشتعل على كل الجبهات، بفضل الغباء السياسى والإصرار على انتزاع سلطات مع الفشل فى استخدامه. كل ما فعله الرئيس مرسى منذ انتخابه هو إغضاب حلفائه وخصومه وانحيازه لجماعته فى مواجهة الجميع، إعلان ديكتاتورى ودستور مسلوق كشفت التجارب عن كوارثه، ثم قانون انتخابات ملعوب فيه وخال من الضمانات. مع حرص على تجاهل أى صوت غير صوت جماعة الإخوان. والنتيجة انسداد سياسى من كل الجهات.
كانت كرة النار تكبر والسلطة غائبة. احتقان سياسى واجتماعى واقتصادى وفشل حكومى، ومع كل هذا بدا الرئيس ومعه جماعة الإخوان غائبين عن المشهد رافضين لأى تدخل أو حوار.
اقتصاديا يستمر الغباء السياسى ومن حيث يزعم النظام وحكومته البحث عن استثمارات من الخارج يحاربون الاستثمار فى الداخل ويطاردون الأموال الوطنية ويدفعونها للهروب، وفى الوقت نفسه يواصلون سياسات اقتصادية عشوائية تفتقد للقواعد السائدة. ويتمسك الرئيس بحكومة فاشلة وعاجزة، من الهواة لأنها فقط تمثل مصالح وأهداف جماعة الإخوان، وتفرض رجال الجماعة فى كل أركان الدولة بصرف النظر عن الكفاءة. وهو ما يضاعف حالة التجريف فى الدولة. مع التمسك بمحافظين فاشلين لمجرد انتمائهم للجماعة. وتجاهل اعتراضات المواطنين وحاجاتهم. وانتهى الأمر إلى أزمات متصاعدة، ضاعفت الغضب وعجزت الحكومة عن إنهاء أزمة السولار أو أزمات المواطنين. الأمر الذى ضاعف من الغضب، ولم تجد الحكومة والنظام سوى تصدير الشرطة وجهاز الأمن وتقع مصادمات وقتلى وجرحى. وتكتشف الشرطة أنها تدفع فواتير جشع الإخوان للسلطة، مثلما دفعت ثمن تسلط مبارك ونظامه، لكنها أعلنت التمرد وانتهى الأمر لإضراب الشرطة ورفض استخدامها فى مواجهة المواطنين. فى تحول خطير يكشف أيضا عن تدخلات لجماعة الإخوان من أجل تحويل الشرطة وجهاز الأمن إلى جهاز. لأمن الجماعة وليس للشعب. وهو أمر يكشف عن غياب للرئاسة عن السلطة التنفيذية، وتركها لتحكمات جماعة تظن نفسها أفضل من الشعب. وهو أمر رأيناه طوال شهور فى خطاب مغرور يرفض الاعتراف بحقوق المواطنين أو المعارضين. ويبدو مستعدا للتضحية بالوطن والدولة من أجل أن تعيش الجماعة وتتمكن.
والنتيجة أننا أصبحنا فى ظل نظام سياسى لا يريد ولا يستطيع قراءة الإشارات من حوله، ولا التحذيرات التى يقدمها له الواقع، ويصر على السير فى طريق خاطئ عكس كل معطيات الواقع والعقل والمنطق. ونقصد بهذا فى الأساس الرئيس محمد مرسى بوصفه المسؤول الأول عما يجرى فهو من تم انتخابه، وبالتالى هو من يتحمل المسؤولية عما يجرى، وليس جماعة الإخوان التى هى فى النهاية جماعة طامحة وطامعة لا تمتلك إمكانات، وليست مؤهلة لذلك، جماعة تريد سرقة سلطة هى فى يدها أساسا مثل رجل يسرق ماله لأنه اعتاد اختلاس ونشل ما حوله.