الاشتباكات التى دارت بين السلفيين والشيعة فى الاحتفال بمولد السيدة عائشة وتصريحات علماء السلفيين ضد إيران تفتح الباب لإعادة إنتاج اللعبة الطائفية البغيضة الآن بين السنة والشيعة وتحقيق الأهداف المعلنة لنظرية «الفوضى الخلاقة» للولايات المتحدة الأمريكية لإعادة تقسيم المنطقة وفق مخططاتها الجديدة والبداية من مصر.
وبديهيا نفهم أن للولايات المتحدة دوافعها وأسبابها فى نشر نظرياتها لإعادة تقسيم المنطقة والسيطرة على ثرواتها وإدخال دول المنطقة فى صراعات مذهبية وطائفية بعيدا عن قضية الصراع العربى الإسرائيلى، خاصة بعد صعود تيار الإسلام السياسى فى عدد من دول المنطقة، لكن ما هو غير مفهوم هو تلك الصراعات والمساجلات المحمومة التى بلغت حد العنف بين علماء كنا نظن رجاحة العقل فيهم واتساع الأفق فى فهم ما يجرى من محاولات التفريق والتمزيق وإثارة الفتن فى جسد الدين الواحد والأمة الواحدة والعمل على وأدها وعدم إيقاظها وإطفاء حرائقها.
لكن للأسف تهافت العديد من هؤلاء العلماء والفقهاء - أو هكذا يطلقون على أنفسهم- للدخول إلى أتون اللعبة الطائفية المدمرة لخدمة نظرية الفوضى الخلاقة سواء بوعى وإدراك أو بلا وعى، وإثارة المماحكات والمساجلات حول المسائل الهامشية الخلافية بين المذهبين السنى والشيعى وتكريس التوظيف السياسى فى التخويف والتلويح بـما يسمى «الاستعمار الشيعى» الجديد لصب المزيد من الزيت على نيران التمزق والانحدار.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فالفتنة الكبرى على عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان أفرزت فرقا إسلامية متصارعة سياسيا، وما يجرى الآن من محاولات اللعب بنار الفتنة بين أبناء الدين الواحد على اختلافاتهم الفرعية لمجرد عودة العلاقات الطبيعية بين مصر وإيران كقوتين إسلاميتين كبيرتين فى المنطقة، يعيد سيرة «عصر الانحطاط» مثلما أطلق عليه مؤسس علم الاجتماع والمؤرخ العربى ابن خلدون، عندما دخل العالم الإسلامى هذا العصر والانشغال بالنقل والاتباع والأثر محل العقل والإبداع والبحث، فجرى تحريم العلوم الدنيوية وتجريم المنشغلين بها وبات التصوف والتغييب أهم ملمح لثقافة حكام المسلمين ومنهاج حياة الشعوب، فهل نحن نعيش الآن «عصر الانحطاط»؟
إنها دعوة تنبيه وتحذير لعلمائنا و«فقهائنا» سنة وشيعة لعدم الانجرار خلف مشروع «الفوضى الخلاقة» والمخططات المشبوهة التى تستنفد طاقات المسلمين فى ثارات قديمة تجاوزها الواقع والمنطق والعقل.