فى أى مجتمع، وفى أى دولة، هناك بعض المناصب، هناك بعض الوظائف «الحساسة» وبعض التخصصات الفريدة، وبعض المهام الصعبة، وبعض المناطق المتميزة، ولا عيب ولا فساد فى أن تتعامل الحكومات مع هذه الحالات الاستثنائية بمزيد من العناية، ومزيد من الاهتمام، لأنهم يقفون على الثغور، ويتعرضون إلى مغريات قد لا يتعرض لها المواطن العادى، ولا عيب أيضا فى أن تتعامل الدولة مع العلماء والباحثين بنفس الكيفية، ولا عيب أيضا فى أن تولى الدولة عناية خاصة بالمحافظات الحدودية، أو الاستراتيجية كالنوبة وسيناء وبورسعيد والقناة ومطروح والواحات، فمزيد من الاهتمام بحزمة الاستثناءات تلك لا يعنى أبدا أن هناك ظلما يقع، بل يعنى مزيدا من العناية بأمننا الوطنى، ذلك لأن سكان هذه المحافظات وأهل هذه التخصصات سلاح ذو حدين، إما أن يكونوا لك، أو يكونوا عليك، وإما أن يكونوا حائط صد أو ثغرة قلبك، فإن رأيت مجتمعا لا يراعى هذه «الاستثناءات»، أو أى دولة تتناساها أو تتجاهلها، فاعلم أن الكارثة قريبة، وأنه لا مانع لها إلا «كرم الله».
أكتب لك هذه الكلمات فى ذات الوقت الذى يتوجه فيه طلاب وأساتذة قسم اللغة العبرية بجامعة عين شمس إلى مكتب الدكتور مصطفى سعد وزير التعليم العالى مختصمين أساتذة كليتهم وعميدها ورئيس جامعتهم، بعدما لاقوه من استهتار واضح فى التعامل مع شكاواهم من بعض الممارسات غير الأخلاقية لمدرسيهم، والتى وصلت إلى مرحلة التحرش بالفتيات، وانتهاك قدسية الحرم الجامعى، وتدنيس العلاقة بين العالم والباحث، فبعد أشهر من فضح تلك الممارسات المريبة لم تحرك الجامعة ساكنا، وتعامت عن تلك المخالفات الجرائمية، والتى وصلت إلى حد بيع الامتحانات وإجبار الطلبة على دفع آلاف الجنيهات لشراء الامتحانات تحت اسم الدروس الخصوصية، ولو كانت هذه الجرائم الثابتة بالتسجيلات والوثائق جرما حقيقيا فى أى حقل من حقول العمل فى مصر، فإنها ترقى إلى مستوى الإجرام، فما بالك إذا كانت فى «الحرم الجامعى»، وكذلك إن كان هذا «الإجرام» مستهجنا من المجتمع إذا ما وقع فى أى تخصص من تخصصات الجامعة، فإنه يعد «خيانة»، إذا ما وقع فى قسم شديد الحساسية كقسم اللغة العبرية، فبدلا من أن يحتوى هذا المجتمع الخرب هؤلاء الشباب الذين كانوا ذخيرة مصر البشرية فى الستينيات والسبعينيات، وبدلا من أن يضعهم فى عينيه بعد الدور الوطنى الذى قاموا به فى حروب مصر مع إسرائيل، يحاربهم النظام بكل ما أوتى من قوة، ويجبرهم على الكفر بوطنهم الذى لا يبتغون إلا رفعته، ويعرضهم إلى دفعات الفساد المنهجى المتعاقب ليفقدوا معنى الوطن رويدا رويدا.
لا أطالب هنا بأن يتم التعامل مع هؤلاء الطلبة والباحثين بشكل استثنائى مفترض، لكن كل ما أطالب به، أن يتم معاملتهم كمواطنين فحسب، فلم يذنب هؤلاء «الأبطال» حينما رفضوا الفساد، ولم يرغبوا فى نجاح مزيف، فكما تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، كذلك ترسب الحرة ولا تنجح بفخذيها، وإنى لا أجد تفسيرا لحالة التغاضى الحكومى عن التحقيق فى هذا الأمر، ومعاقبة المسؤولين عنه، إلا أن حكومتنا «الإسلامية» تتستر على هذه الدعارة التعليمية، وتدفع الشباب إلى الاستجابة إلى الاغتصاب.