د. محمد على يوسف

مِغَسِّل وضامن جنَّة!!

الأربعاء، 10 أبريل 2013 08:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قالوا قديما فى المثل: غسله واعمل له عمة.. قال يعنى أنا مغسل وضامن جنة.. كلمات بسيطة وذكية كعادة الأمثال المصرية تلخص رسالة يفترض أنها كانت مستقرة فى الوجدان المصرى، بل فى الوجدان المسلم بشكل عام، أنه لا أحد يضمن مصيره فضلا عن مصير غيره، لا أحد يمتلك القدرة على الحكم لفلان بالجنة، والجزم لفلان بالنار، معنى بدهى ومنطقى وأصل إسلامى، يفترض أن يعلمه الجميع، أجملته تلك الكلمات البسيطة التى عبر المصريون من خلالها عن معتقد هام يظهر فى العديد من الآيات والأحاديث الصحيحة، معتقد: «فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى»، ومسلمة أن الله وحده يعلم مصير الإنسان ومآله وحقيقة تقواه ودينه: «قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ».

لقد لخص النبى ذلك المعنى فى جملة قالها يوم موت صاحبه عثمان بن مظعون، وجاء البعض يزكونه، ويجزمون له بالجنة، فقال: «واللهِ ما أدرى - وأنا رسولُ الله - ما يُفعَلُ بى ولا بِكم»، ورغم ما له من مبشرات ومنزلة عند ربه، إلا أنه على ما يبدو أراد التعميم لترك الأمر كله لله، وإثبات تمام الافتقار والتسليم المطلق فى أمر المصير إليه حتى مصيره هو نفسه. ولما جاء الصحابة يزكون رجلا مات أثناء الجهاد، إذا بالنبى يفاجئهم بأنه ليس كما يتصورون، وأن الرجل إنما اتكأ على سيفه وقتل نفسه. وغير ذلك من الآيات والأحاديث التى يمكننا من خلالها تبين تلك الحقيقة، التى من المفترض كما قلت وكما بدا من المثل أنها بديهية ومنطقية. لكن للأسف الشديد، يبدو أن كثيرا من المصريين قد نسوا أو تناسوا تلك الحقيقة، وظهر من خلال لسان حالهم ومقالهم أنه قد تسربت إليهم دون أن يشعروا خصلة من خصال من قالوا: «نحن أبناء الله وأحباؤه». صحيح أن المصريين لم يقولوها بتلك الفجاجة والاستعلاء، لكنهم أكدوا معناها من خلال نفيهم المستمر لإمكانية فتنة المصريين عن دينهم وعقيدتهم وعن قيمهم وأخلاقياتهم، وكأنما اتخذوا عند الله عهدا، فيه ذلكم الجزم المزعوم أنهم بمنأى عن الفتن وبمعزل عن الضلال إلى يوم الدين!. العجيب أن الصحابة أنفسهم كانوا يخشون على أنفسهم النفاق، ولا يأمن أحدهم على نفسه لهذه الدرجة، بل وحتى الأنبياء كانوا يحرصون على دعاء ربهم بالثبات، واجتناب عبادة الأصنام، وما دعاء إبراهيم ويوسف عليهما السلام بالشىء الذى يغيب عن الأذهان، لقد دعا الأول ربه أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام، بينما طلب الثانى الوفاة على الإسلام، واللحاق بالصالحين، كما تضرع نبينا لمقلب القلوب كى يثبته على دينه. فمن أين يأتى البعض بكل هذا الأمن والاطمئنان والجزم الراسخ أنهم بمنأى عن الفتن؟ وناهيك عما فى تلك الأقوال من كبر وافتئات على علم الله بمآلات ومصائر العباد، فإن تلك المقولات والأفكار تنافى الواقع والتاريخ، فهل هناك أمة يمكن أن يقال عنها أنها بمعزل عن التغير والتحول والتبدل؟ كم من الأمم تغيرت عقائدها وأفكارها مرارا وليس مرة واحدة، خصوصا بعد الأحداث الجسام كالثورات والحروب. وهل كانت روسيا شيوعية قبل الثورة البلشفية؟ وهل كانت فرنسا علمانية تعلن شنق آخر ملك بأمعاء آخر قسيس قبل الثورة الفرنسية؟ وهل كانت إيران دولة ثيوقراطية رافضية تُحكم من عتبات قُم والنجف قبل الثورة الخمينية؟ وهل مصر الخمسينيات والستينيات تشبه مصر فى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين؟ بل هل مصر قبل الحقبة الفاطمية وحكم العبيديين الرافضة مثل مصر بعدها حتى بعد تطهيرها منهم على يد صلاح الدين؟.. الجواب معروف، وعشرات البدع والخرافات التى تنتشر فى ربوع مصر مرجعها إلى موروثات تلك الحقبة، التى يتشدق البعض قائلين إنها لم تؤثر فى المصريين، وعلى افتراض جدلى أن مصر لم تتأثر قط فى الماضى بحملات التغريب والإفساد للأخلاقيات والعقائد، فهل هذا يعطيها صكا وعهدا يفيد عدم حدوث ذلك مستقبلا؟ إن القاعدة المعروفة والمطردة، أن الحى لا تؤمن عليه الفتنة، ومهما حاول المصلحون وظنى بهم أنهم سيحاولون، وسيبذلون قصارى ما يملكون ليقفوا أمام أبواب الفتن، ويواجهوا أمواجها، فإن ذلك لا يخفف من وزر من فتح الباب لها ولا ينفى تلك الحقيقة التى عبر عنها المصريون قديما بذكاء وتواضع، مؤكدين أنهم ليسوا من الفتنة محصنين ولا للجنة ضامنين.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة