فى الخمسينيات والستينيات لم تشهد مصر فتنة طائفية واحدة، والشواهد تؤكد أن العصر الذهبى للأقباط المسيحيين فى مصر هو عصر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.
مصر عبدالناصر لم يغضب فيها البابا، ولم يعتكف فى الدير، ولم يعتذر عن العظة الأسبوعية تعبيرا عن «غضب سياسى». علاقة عبدالناصر والبابا كيرلس – كما وردت فى بعض الروايات - ساهمت بقوة فى توطيد العلاقة بين أبناء الوطن الواحد. العبرة فى هذه العلاقة فى نهايتها، وليست فى بدايتها التى يرى البعض أنها كانت علاقة فاترة ما لبثت أن تحولت إلى علاقة صداقة نادرة وأبوية خالصة، بلغت إلى الحد الذى كان ينادى فيه عبدالناصر البابا كيرلس بـ«يا والدى» فى كل مرة يلتقيان سويا فيها، وطلب منه أن يأتى إليه فى المنزل، وفى أى وقت، ودون موعد، وليس فى القصر الجمهورى. كان ناصر عندما يأتى إليه رئيس دولة يودعه حتى باب الصالون، وعندما يأتى إليه البابا يودعه حتى باب السيارة ويظل واقفا إلى أن تتحرك السيارة به فى زيارة من هذه الزيارات.. جاء إليه أولاد، وكل منهم يحمل حصالته فقال الرئيس له: «أنا علمت أولادى وفهمتهم إن اللى يتبرع لكنيسة زى اللى يتبرع لجامع، والأولاد لما عرفوا إنك بتبنى كاتدرائية صمموا على المساهمة فيها».
يقول الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل عن علاقة ناصر - كيرلس: «كانت العلاقات بين الرجلين ممتازة، وكان كيرلس حريصاً على تجنب المشاكل، وقد استفاد كثيراً من علاقته الخاصة بعبدالناصر فى حل مشاكل عديدة». تدخل عبدالناصر عندما عرض عليه البابا مشكلة المجلس الملى، والعجز فى ميزانية البطريركية، فأصدر قرارا جمهوريا بإنشاء مجلس إدارة أوقاف البطريركية، وحل المجلس الملى وتجميد نشاطه، وتبرع بمبلغ 10 آلاف جنيه لسداد العجز فى الميزانية.
ويتحدث الراحل العظيم البابا شنودة الثالث عن العلاقة بين الرجلين، مشيرا إلى «الموقف الرجولى الرائع» الذى وقفه عبدالناصر تجاه بناء الكاتدرائية، وموافقته على بنائها وحضوره حفل وضع الأساس والافتتاح، وخصص مبلغ 100 ألف جنيه فى 1967 للبناء، وكلف إحدى شركات القطاع العام بعمليات بناء الكنيسة الكبرى فى سنة واحدة، وأصدر قرارا بالتنازل عن ديون الكنيسة للدولة.
عندما مات عبدالناصر قال البابا كيرلس: «إن جمال لم يمت ولن يموت، إنه صنع فى مدى عشرين سنة من تاريخنا ما لم يصنعه أحد من قبله فى قرون، وسيظل تاريخ مصر وتاريخ الأمة العربية إلى عشرات الأجيال».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة