حين تستمع لشريط أغنيات أو تشاهد «دى فى دى» لفيلم ما، تستطيع بسهولة إن أردت التوقف أن تدوس على زر التوقف stop، أما لو أردت الإعادة فأيضاً من السهل أن تدوس على زر يعيد عليك ما سبق سمعه أو مشاهدته rewind، أما وإن أردت التقدم للأمام وإلغاء أغنية أو مشهد لا تريده فما عليك إلا أن تدوس على زر تقدم أوforward، هذه آلية سهلة للمشاهدة والاستماع لأغنية أو فيلم منحتها لنا التكنولوجيا الحديثة، لكنها مستحيلة فى مشاهدة أو سماع وقائع الحياة التى مهما تقدم فيها الإنسان ليس بقادر على أن يخترع زر stop أو rewind أو forward، ولكن خلق الله الخيال لدى جنس البشر ليستطيع وحده أن يحصل على هذه الخاصية، ليتعلم من أخطائه أو من محاسنه، أو ليعيد ترتيب وقائع حياته لو كان إيجابياً ويريد التعلم والتحليل، أو ليندم على ما فات لو كان سلبياً فيكتفى بالندم دون غيره.
ولأننى أدعو الناس ونفسى للتفكير الإيجابى برغم ما نعيشه من مظاهر، ووقائع حياتية سلبية، فسأطرح عليكم عدة بدائل لما نحياه، أو بمعنى آخر تعالوا نقرر أن ندوس على «زرار» stop و rewind ونقطة ومن أول السطر، ونعيد صياغة حكاية مصر، وثورتها بشكل آخر.
القاهرة فى 25 يناير 2011: تدعو بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى للخروج فى مظاهرات لشجب قمع الشرطة فى عيدها، وبالفعل تخرج المظاهرات المنددة بالقمع، فتقف قوات الشرطة لحماية المنشآت والشوارع دون أن تتصدى للمتظاهرين بأى شكل، تتجه المظاهرات لتلتقى بعضها ببعض فى ميدان التحرير دون تصدى شرطى على الإطلاق، فتستمر المظاهرات وفعاليات اليوم حتى الساعة التاسعة، فيعود بعض الآلاف من المتظاهرين إلى بيوتهم بعد أن تكون كاميرات التليفزيونات صورت وعرضت وحكت، وبدأت برامج المساء والسهرة تعرض، ويخرج وزير الداخلية آنذاك العادلى واعداً الشعب بتحويل كل قضية انتهاك للداخلية إلى التحقيق.. نقطة ومن أول السطر.
القاهرة فى 25 يناير 2011: تدعو بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى للخروج فى مظاهرات تنديداً بقمع وممارسات الداخلية مع المواطنين، ويخرج عدة آلاف من الشباب فى مظاهرات للتنديد بها. تستعد قوات الأمن لمواجهة المتظاهرين، وتقع عدة مصادمات بين الأمن والمتظاهرين، فتتسبب فى جرح البعض ومقتل اثنين من الشباب. يخرج وزير الداخلية العادلى فى مؤتمر صحفى معتذراً ومحولاً المتسببين فى هذه الأحداث للتحقيق، ورغم ذلك تستمر المظاهرات، فيقرر مبارك إقالة وزير الداخلية وتعيين آخر بدلا منه.. نقطة ومن أول السطر.
القاهرة فى 25 يناير 2011: تخرج مظاهرات من عدة آلاف من الشباب فى يوم عيد الشرطة منددة بقمعها للمواطن، فتتصدى قوات الشرطة لها، ويقع كثير من الأحداث المؤسفة للشباب الذى يقرر أن يعتصم بميدان التحرير، وتهاجمه الشرطة ثانية، فيقع عدد من الجرحى والقتلى بين صفوف الشباب، وما إن تمر 48 ساعة إلا ويجتمع مجلس الشعب مطالباً بإقالة الحكومة، فيستجيب مبارك ويدعو زعماء الشباب للتحاور مع مجلس الشعب، وتحديد مطالبهم.. نقطة ومن أول السطر.
القاهرة فى 25 يناير 2011: تخرج مظاهرات منددة بممارسات الشرطة فتتصدى لها قوات الشرطة، فتتفاقم الأحداث، ويتأخر مبارك فى ردود الأفعال، فتزيد أعداد المتظاهرين، وتنسحب الشرطة بعد مهاجمة مقارها والسجون، ويتم تعيين عمر سليمان نائباً، ويتنحى مبارك، وينظف الشباب الميدان، ويقرروا انتخاب مجلس رئاسى معاون للمجلس العسكرى، وتنضم لهم جماعة الإخوان فى مطالبهم أمام الجيش، وبالفعل يتم تكوين مجلس رئاسى انتقالى، وتتم تسمية عدة شخصيات عامة قانونية لصياغة الدستور، ثم يجرى الاستفتاء عليه، ثم يتم إعلان موعد الانتخابات التشريعية، ويتم تكوين مجلس الشعب الذى تخرج نتائجه بنسبة %30 للإخوان، و%20 لجامعات مختلفة من الإسلام السياسى، و%30 للمستقلين، و%20 للأحزاب الليبرالية، ثم يتم تحديد موعد للانتخابات الرئاسية، وتلتزم جماعة الإخوان بعدم ترشيح أحد أعضائها للرئاسة.. نقطة ومن أول السطر.
القاهرة فى 25 يناير 2011: تندلع المظاهرات مطالبة وزارة الداخلية بتغيير سياستها تجاه المواطن المصرى، واحترام آدميته، وتطالب بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية، وتتفاقم الأحداث، ويصل بنا السيناريو ليوم التنحى، وتسود الفرحة العارمة بعضا من أرجاء مصر، ويتولى المجلس العسكرى شؤون البلاد، ثم يطلب من كل كاميرات تليفزيونات العالم مؤتمرا عالميا ليعلن فيه المشير طنطاوى مع عمر سليمان، رئيس المخابرات، وقائع ما حدث فى الأيام الاثنى عشر، وكيف أن أمريكا تضغط على المجلس العسكرى لمؤازرة الإخوان المسلمين فى تولى حكم البلاد، وحقيقة ما حدث فى اقتحام الأقسام والسجون، وكل تفصيلة من مؤامرات حيكت ويعرفون تفاصيلها، ويطالبون الشعب بعام كمهلة لترتيب أوضاع البلاد، وبواسطة مجلس رئاسى، ثم تدور العجلة.. نقطة ومن أول السطر.
من حقك أن تحلم بأى من البدائل التى افترضتها، أو أن تختار أنت ما تتخيله من أحداث، ولكن نقطة ومن أول السطر.. لا الزمان سيعود، ولا الأحداث ستتغير، ولا الجماعة ورئيسها التنفيذى سيتعلمون، ولا النخبة ستندم على ما اقترفته، ولا أمريكا ستعدل، ولا أنت ولا أنا بخيالنا قادرون على أن نبدل واقعنا الأليم.