لماذا يصر البعض على اعتبار إيران «بعبع» لا يجب الاقتراب منه؟ وهل من الصحيح اختصار العلاقة معها فى خانة المذهبية، وصراع الشيعة والسنة؟
فى فقه العلاقات الدولية الصحيحة تقوم العلاقات بين الدول على احترام إرادة شعوبها، و تبادل المصالح دون التدخل فى شؤون الآخرين، والدول الناقصة السيادة والإرادة هى التى تدخل فى علاقات تبعية مع الدول الحرة القوية، وفى ذلك لا يتم الاحتكام إلى ديانة الشعوب، ولو حسبنا هذا المعيار حكما أولا وأخيرا، فعلينا أن نقطع علاقتنا مع الصين البوذية، والهند «السيخية»، وأمريكا المسيحية ومعها كل دول الغرب المسيحى.
فى هذا السياق، يمكن القول بأن الاحتكام إلى البعد المذهبى كأساس للعلاقة بين مصر وإيران مبالغة ليست فى محلها، والقول بأن إيران «الشيعية» ستقوم بنشر المذهب الشيعى فى مصر هو تعبير عن مخاوف غير طبيعية، والاحتكام إلى رجال الدين فى ذلك يقود إلى خلافات لانهائية، فبينما يوجد متشددون منهم يرفضون أى تقارب مع الشيعة عامة فى أى بلد وإيران خاصة، يوجد شيوخ لا يرون فى هذا الأمر أى مشكلة، وفى الحالتين تجد الحجج الدينية، وفى القول بأن إيران تسب الصحابة، رضوان الله عليهم، يرد الإيرانيون بأن هذا ليس صحيحا، يسانده متخصصون يقولون إن هناك قلة متطرفة تفعل ذلك، والاحتكام هنا يكون بتوجهات الدولة «إيران» التى نفت ذلك جملة وتفصيلا، وعدم الاعتراف بهذا سيكون بمثابة تفتيش فى النوايا.
إيران تكتسب قوتها كدولة طموحة تسعى أن يكون لها كلمتها العليا فى محيطها الإقليمى خاصة، وفى العلاقات الدولية عامة، وفى هذا السباق تضيف إلى رصيدها بتحدى الحصار الدولى المفروض عليها، عبر الدخول فى السباق النووى الذى تريد إسرائيل ألا يسابقها أحد فيه، وعبر محاولات لا تنتهى منها فى التصنيع والتنمية، وإذا كان هذا حقها الذى يؤهلها لأن تكون دولة محورية وقوية فى محيطها الإقليمى، فالأجدى أن نسأل أنفسنا نحن ماذا فعلنا من أجل أن نصبح بلدا متقدما وقويا بالدرجة التى تجعلنا أصحاب الكلمة العليا فى محيطنا الإقليمى، ونكون على درجة كبيرة من الندية فى العلاقات مع الآخرين ومنهم إيران، ويعنى ذلك كله أنه حين يقوى الآخرون فلا لوم عليهم، وحين نضعف نحن فاللوم علينا.
ذهبت إلى إيران قبل شهور، تجولت وبصحبتى الوفد الصحفى الذى كنت ضمن أعضائه فى شوارع طهران وأصفهان، تحدثنا بحريتنا مع إيرانيين، وتعرفنا على شباب سهرنا معهم وتحدثنا معهم فى كل شىء، سألونا عن تصورات المصريين عن الإيرانيين، ضحكوا حينما قلنا لهم إن هناك تصورا بأن كل الإيرانيين أصحاب لحى وعمامات، وأن السيدات يختفين تحت عباءات، لم نتحدث بوصفنا مسلمين سنة، ولم يتحدثوا بوصفهم مسلمين شيعة.
لم نجد شيئا من هذا، بل كان أكثر ما لفت نظرنا تلك الحفاوة الطبيعية التى تظهر من كل إيرانى يقابلنا حين يعلم أننا مصريون، «مصر.. مصر.. مصر» كانت نداء نسمعه بتلقائية من إيرانيين فى الحدائق والشوارع، وبقدر ما كان ذلك تعبيرا عن حضور مصر وتأثيرها الوجدانى فى نفوس الشعب الإيرانى، بقدر ما طرح أسئلة حول كيف تتطور هذه العلاقة بين الشعبين إلى ما يحقق المصالح المتبادلة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة