بدعوة من المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات - فرع بيروت - شاركت فى حلقة نقاشية عن دور اليسار والحركات القومية فى الثورات العربية فى مصر وتونس، وكانت مناسبة للالتقاء بقامات فكرية وسياسية رفيعة والتفكير معها فى واقع ومستقبل اليسار العربى، لأننى على قناعة بأن نجاح الربيع العربى فى تحقيق العدالة الاجتماعية رهن بمشاركة يسار عربى جديد، ديمقراطى وقادر على التعاون والعمل المشترك بين فصائله أولا، ومع بقية القوى الوطنية ثانيا. لكن ما المقصود باليسار، والموقف اليسارى، بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، والعولمة والربيع العربى؟ هل لابد أن تكون مرجعية اليسار ماركسية أو إحدى التأويلات الماركسية مثل اللينينية أو التروتسكية أو الغرامشية أو غيرها من القراءات التى يدعى كل منها تمثيل الماركسية، أعتقد بضرورة توسيع مفهوم اليسار بحيث يشمل كل من ينحاز بوضوح إلى توزيع الثروة وناتج التنمية على الفقراء فى المجتمع، وفصل الدين عن السياسة، والعمل من أجل المساواة بين المواطنين وتمكين المرأة والأقليات، واتخاذ موقف معاد لكافة أشكال الاستعمار والاستغلال على الصعيدين الداخلى والعالمى.
إذا اعتمدنا هذا المفهوم الإجرائى سنجد أن كثيرا من الأحزاب والحركات والشخصيات يمكن إدراجهم ضمن الموقف اليسارى، سواء فى مصر أو تونس، وساهم هؤلاء فى الانتفاضة الشعبية التى لم تكتمل وتصبح ثورة كاملة، لذلك هم يواصلون العمل فى إطار الحالة الثورية القائمة فى البلدين والتى فشل الإخوان والنهضة فى إجهاضها والسيطرة على الشارع الثائر والذى يطالب باستكمال مطالب الربيع العربى، كما سنلحظ أن اليساريين العرب فوجئوا بالربيع العربى رغم كثرة دعوتهم للثورة والتحدث عن الجماهير ونضالها من أجل العدالة الاجتماعية وإسقاط النظام والتغيير، وأعتقد أنها لم تكن مفاجأة فقط بل صدمة، حيث وجد اليسار الجماهير التى بشر بثورتها تتحرك بعيدة عنه ومن دون حزب طليعى أو قيادات يسارية، والمفارقة أن الجماهير انطلقت فى الشوارع تطالب بإسقاط النظام وبالعدالة الاجتماعية، وهى بالأصل شعارات يسارية !! ما يعنى أن هناك ثقافة يسارية فى المجتمع وآثارا تراكمية لنضالات يسارية قديمة، رغم عزلة أحزاب وتنظيمات اليسار الحالية ونخبويتها وجمودها الفكرى وصراعاتها التنظيمية. المهم ساهم اليساريون أفرادا وأحزابا فى الحراك السياسى لربيع العرب، ونظموا إلى حد ما صفوفهم لكنهم ظلوا منقسمين تنظيميا وغير قادرين على تجديد أفكارهم وبرامجهم السياسية وأدوات عملهم واقترابهم من الجماهير خاصة فى الريف والأحياء المهمشة، ومازال أغلبهم يعتمدون على مقولات نظرية قديمة يحاولون بها فهم الواقع المتغير، حتى إن بعضهم يريد أن يغير الواقع ذاته كى يصبح على مقاس مقولات نظرية قديمة لماركس وإنجلز تنتمى للقرن التاسع عشر !!أيضا فشل اليساريون فى توحيد صفوفهم والعمل فى جبهة واحدة تضم أحزاب وقوى اليسار والحركات القومية، وأعتقد أنها مهمة بالغة الأهمية لإنقاذ اليسار وتفعيل دوره فى المجتمع ومن الواجب أن يتحرك الجميع فى هذا الاتجاه الجبهوى.
اليسار بالمعنى الواسع للكلمة يحتاج إلى ربيع عربى حقيقى من داخله، تتخلى فيه القيادات اليسارية العجوزة والجامدة فكريا عن القيادة، وتتيح الفرصة كاملة للشباب كى يتولى مهام القيادة، كما يحتاج اليسار إلى مراجعة مواقفه من الدين ومن الإخوان والحركات الإسلاموية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة