البجعة عندما تقترب من الرحيل وتشعر بدنو أجلها تذهب إلى مكان بعيد لا يراها فيه أحد من البشر أو الطيور والحيوانات ثم تطلق صيحتها أو تغريدتها الأخيرة ثم تستسلم لنداء الموت.
تذكرت هذا المشهد من رواية «تغريدة البجعة» للأديب المبدع مكاوى سعيد عندما كنت أتابع مثل ملايين المصريين ظهور الرئيس السابق حسنى مبارك فى قفص الاتهام أثناء إعادة محاكمته فى قضية قتل المتظاهرين مع أولاده. ظهر مبارك وكأنه استعاد السلطة وعاد للوراء 30 عاما فقد بدأ عفيا منتشيا مبتسما مستعيدا أبهته وهيبته داخل القفص منتظرا الحكم بعودته للحكم، على أنغام أغنية «من تانى اخترناك وهانمشى وراك». لأول مرة لا يحاول ابنه جمال الوقوف أمامه لإخفاء وجهه الباهت والمنكسر فى المرات السابقة من المحاكمة، وكأنه سيناريو متفق عليه قبل الدخول إلى القفص أن يظهر مبارك بهذه الابتسامة العريضة و«سندة» الذقن على الأصابع والتلويح المستمر والمتكرر لأنصاره من فريق الدفاع داخل قاعة المحكمة الذين بادلوه الهتاف والصياح المؤيد له.
فماذا كان يعنى الابتسام والتلويح ونظرات الثقة خلف نظارته الشمسية؟ هل هى صحوة وتغريدة الموت والغياب الأخير وإحساسه بأنه الآن بعد أقل من 9 شهور من حكم الإخوان يشعر بالزهو والفخر والشكر والامتنان للجماعة التى أوصلت الناس إلى حالة اليأس والزهق والحنين إلى عصر المخلوع، فإذا كان هو الآن يحاكم على قتل المتظاهرين أثناء أحداث 25 يناير، فلماذا لا يحاكم الرئيس الحالى محمد مرسى أيضا على قتل متظاهرين فى الاتحادية ومحمد محمود الثانية وبورسعيد إضافة إلى اختفاء نشطاء وتعذيبهم. ابتسامة المخلوع تعنى أنه على يقين من براءته وأن الرأى العام الآن وخاصة لدى الكثيرين من البسطاء فى الشارع الذين افتقدوا الأمن ويكتوون من نار الأسعار ويشعرون بالإحباط من حدوث تغيير للأفضل فى المستقبل، ليس ضده الآن أو أقل حدة فى التعامل مع ظهوره مقارنة بالمحاكمة الأولى.
فى رأيى المتواضع لابد أن يوجه مبارك خطاب شكر وامتنان عميق للرئيس وجماعته على ظهوره بصورة «المبتسم» الملوح بشارات النصر الذى يخرج لسانه للجميع، بسياسات الفشل والعجز والاستبداد المستمر للدرجة التى جعلت البعض يردد «ألا ليت الفساد يعود يوما»..!