ابتسم مبارك، لوح بيديه تحية لأنصاره، وشوش نجله جمال، التجاعيد لم تكن بطلة الوجه، صحته جيدة، لم يخطف سريره المرضى الأنظار، مبارك ظهر فى ثوب مختلف، ليس كما كان أثناء محاكمته السابقة، ليس هو الجسد الممدد فوق السرير حتى يكسب التعاطف.
هناك من يؤكد أن بقاءه طوال محاكمته الماضية على السرير كان تنفيذا لسيناريو متفق عليه حتى يكسب التعاطف، انتهت المحاكمة بالإفلات من حبل الإعدام فتفجر الغضب، توزعت الاتهامات يمينا وشمالا، وجد القضاء نفسه فى قفص الاتهام، بالرغم من أن القاضى حكم طبقا لأوراق قضية أمامه، كانت القضية محور اهتمام المصريين منذ يومها الأول وحتى لحظة النطق بالحكم، فهل ستكون كذلك فى الجولة الحالية، هل سينظرون إليها كما كان؟.
كنت ضيفا صباحيا على قناة «أون تى فى» أول أمس، قابلت فى حجرة الانتظار رجلا من السويس جاء ضيفا هو الآخر، قدم نفسه لى: «أنا على الجندى والد الشهيد إسلام»، شاهدنا سويا وقائع الجلسة الأولى على الشاشة، تألم الرجل كثيرا مما شاهده، خيمت سيرة ولده الشهيد على حديثنا، قال: «جويا نار محدش يقدر يحس بيها إلا أنا.. شوف الراجل (يقصد مبارك) ولا همه حاجة، كأن مفيش شهداء راحوا»، أضاف: «الغلط مش عنده الغلط عند اللى بيحكمنا دلوقتى، الغلط عند مرسى، عمل كل حاجة تخلى الناس تنسى الشهداء، عمل اللى يخلى مبارك يقعد فى القفص مبسوط كده، تقريبا كده مكتوب علينا إن حق أولادنا إحنا اللى ناخده بإيدينا.. مرسى لازم يمشى»، هكذا سارت مشاعر الرجل الذى قد تختلف أو تتفق معه، لكن كونه أبا لشهيد فله تعظيم سلام واحترام القول والمقام.
حديث الرجل «الموجوع» بفقد ولده، يعطيك ملمحا لحالة مبارك خلف قضبان المحكمة، يؤكد لك أنه على دراية بكل الأحوال والأزمات، يؤكد لك معرفته بأن المصريين يشكون، يبحثون عن الأمن والأمان فلا يجدون، وأن رده على كل ذلك: «مش قلت لكم».
كان مبارك مستبدا، عشش الفساد فى أركان حكمه، لم يعرف قدر مصر ومكانتها، تقزمت فى عهده، لم يؤمن بأن الديمقراطية هى طوق النجاة، ترك نفسه لابنه فأطل التوريث الذى قضى على حكمه، لم يؤمن بحق الفقراء فى ثروة بلدهم، حول مصر من دولة الدور العظيم إلى دولة الخدمة لأمريكا وإسرائيل والغرب، كان موظفا بدرجة رئيس، ولم يكن أبدا رئيسا بدرجة زعيم.
المأساة أن كل هذه السلبيات القاتلة التى أهدرت وأضاعت مصر طوال حكمه، يضعها قطاع من المصريين الآن على الرف، بالرغم من أنهم عاشوها فى عهده، ورددوها بعد الثورة بعد أن ظهرت حقائق تؤكدها، يفعلون ذلك بعد أن وجدوا ثورتهم تائهة، بعد أن وجدوا حكما ليس فيه مبارك الشخص، وإنما إبقاء على «مبارك السياسة»، كان نظام مبارك بحزبه «الوطنى» يعمق مكاسب رجاله ويترك جزءا للآخرين، والآن يعمق نظام مرسى «الأخونة» ويقضى على الآخرين، ومع الممارسات السلبية الأخرى يمكن تفسير اختلاف نظرة قطاع من المصريين لجولة محاكمة مبارك الحالية عما كانت من قبل.
المستبد يضحك مما آلت إليه الأمور ومازال الإخوان يعبثون.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة