عند كثير من الناس ليس مهما أن يحكم مصر الإخوان أو غيرهم، ولكن المهم من يفتح بيوتهم ويطعمهم ويشغل أبناءهم ويوفر لهم الأمن، وهى الأشياء الغائبة فى الوقت الراهن وتؤدى إلى تزايد السخط والغضب وعدم الرضا، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فلن تذوق مصر طعم الهدوء، وستمضى البلاد من سيئ إلى أسوأ.. والخطر الأكبر الذى لن يترك أخضر ولا يابسا هو الانهيار الاقتصادى، الذى تنتج عنه ثلاث بؤر سرطانية، هى الغلاء الفاحش، وتفشى البطالة، والمطالب الفئوية، ولا يمكن للدولة أن تسترد عافيتها وتقف على قدميها، إلا إذا سيطرت على اقتصادها وضخت من عروقه مشروعات تنموية تنعكس على مواطنيها، وترفع مستوياتهم المعيشية وتشركهم فى عوائد التنمية، حتى لا تصبح مثل عملية نقل دم فى الاتجاه العكسى، فيزداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا، وتلك هى الضربة القاضية التى صرعت النظام السابق، وجعلته ينهار مثل أكوام الرمال التى هاجمتها أمواج البحر الغاضبة، كل الأزمات التى نعيشها الآن هى نتيجة طبيعية لإعياء الاقتصاد المصرى، فلا عمل ولا إنتاج، والجميع ينتظر أن يقطف ثماراً لم يزرعها، وانظروا إلى الحكومة المكبلة بسبعة ملايين موظف، زاد طموحهم بعد الثورة فى حياة أفضل وهذا حقهم، فإذا بمستوياتهم المعيشية تتراجع أو محلك سر، وضاعت سدى كل محاولات تحسين الدخول، لأن ما يخرج من الجيوب أكثر مما يدخلها، فتحولت دواوين الحكومة إلى جيوش من الساخطين والغاضبين، وزاد الطين بله فتح أبواب التعيينات على مصاريعها، بفعل الضغوط السياسية والإضرابات والتظاهرات، فى الوقت الذى تشكو فيه الحكومة من قلة الموارد وزيادة المطالب، وباتت خطط إعادة هيكلة النظام الإدارى للدولة ضربا من المستحيل.
ونتيجة لعجز الحكومة والقطاع الخاص فى توفير فرص عمل للشباب، زادت أعداد العاطلين، وانسدت فى وجوههم أبواب الرزق والأمل، وعاد من جديد عمال التراحيل الذين يفترشون الأرض فى الميادين العامة، واستقطبت التظاهرات والاعتصامات أعدادا أخرى كبيرة من الشباب المتعطل، فلو كان لهؤلاء أعمال ووظائف يستيقظون لها مبكرا، ما سهروا فى الميادين ليالى بطولها، بجانب انتشارالعصابات المسلحة التى ترتكب جرائمها بصور لم تحدث من قبل فى المجتمع المصرى، وبدأت عمليات المقارنة بين النظامين السابق والحالى، وضاعت خطط النهوض الاقتصادى الحقيقية بين من يترحم على أيام مبارك، وبين من يلتمس الأعذار لمرسى، وأنه لم يأخذ فرصته، ويحمل أسباب الفشل للمتربصين الذين يخططون لإسقاط النظام، وافتقد الفريقان أى أرضية مشتركة للتلاقى والحوار.
الحقيقة المؤكدة هى أن «الموتى لا يعودون إلى الحياة»، والشعوب لا تذهب إلى المستقبل بالعودة إلى الماضى، والتلويح بمبارك أو إعادة إنتاج نظامه، مجرد فزاعة ضررها أكثر من نفعها، لأنها تُلهى الناس عن الخطر الحقيقى الذى ينمو تحت جلد المجتمع، وهو تردى الأوضاع الاقتصادية، وإذا استمر الصراع السياسى مشتعلا، فلن يجد الإخوان أو غيرهم شيئاً يقدمونه للناس سوى الغلاء والضرائب والفقر والجوع والبطالة، وهى أشياء تجعل من يجلس على مقعد السلطة يترنح فوق الأشواك.