خيط رفيع بين العقاب والانتقام، وبين التطهير والتمكين ودعم الاستبداد. وما نراه الآن من مزاعم تطهير القضاء قطع الخيط ويريد بناء سلطة قضائية. وليست المرة الأولى التى يتظاهر فيها أنصار رئيس السلطة التنفيذية فى مواجهة السلطة القضائية. والحجة أن أحكام القضاء تخلى سبيل أنصار النظام السابق، بينما الحقيقة أن الأدلة التى قدمتها السلطة التنفيذية لا تكفى للإدانة.
وسوف يذكر التاريخ للرئيس محمد مرسى أنه أول رئيس منتخب يصمت على تهديد القضاء من أنصاره، ومنع المحكمة الدستورية من ممارسة عملها. ليتحول التطهير من مبدأ بالقانون، إلى وسيلة لإزالة كل ما لا يأتى على هوى السلطة. طبعا النظام القضائى يحتاج لإعادة بناء مثل باقى مؤسسات الدولة، ونسبة المخالفات والفساد هى النسبة الموجودة فى كل مؤسسة، وتحتاج إلى بناء فى النور وليس إلى هدم. والإصلاح يقوم به القضاء وليس مكتب الإرشاد، وألا يتم استبعاد آلاف القضاة لمجرد أن الجماعة لا ترضى عنهم. لكننا نرى من ينادى بالتطهير وهدفه دعم الاستبداد، والذين يتظاهرون ضد القضاء هم من حاصر المحكمة الدستورية، وأيد تعطيل القضاء فى الإعلان الدستورى، ومعهم جبهات تزعم الاستقلال وتعمل بتعليمات المرشد. يروجون لما يسمونه تطهير القضاء ويعنون به وضع قضاة تابعين للمرشد.
التطهير يعنى بالنسبة لنظمى مظاهرات اليوم تعيين قضاة تابعين مثل الأخوين مكى والغريانى، ونائب عام، ومعاونين من قضاة الجماعة يعملون بالريموت الكونترول الإخوانى يحبسون خصوم الجماعة، ويطلقون مؤيديها.
المظاهرات التى تخرج اليوم لا تختلف عن حصار المحكمة الدستورية وتهديد مجلس الدولة، لكنها تزعم الاعتراض على حكم إخلاء سبيل مبارك، بينما خروجه يتم بالقانون، حتى لو اختلفنا مع النتيجة، طالما ارتضينا القانون علينا أن نلتزم به، أما إذا كنا نريد الانتقام فلا داعى للمحاكم والقضاء، وليقتص كل واحد بيده.
وحتى لا ننسى فإن المحكمة الدستورية هى نفسها التى قضت ببطلان مجلس الشعب فى أعوام 84، و1987 و90، و2000، فى مواجهة مبارك، وبفضل حكم الدستورية كانت جماعة الإخوان هى أكثر من استفاد من هذه الأحكام، وفاز 88 إخوانيا فى برلمان 2005، فهل كانت المحكمة جيدة وقتها والآن هى ليست كذلك.
كما أن مجلس الدولة هو الذى أرسى مبادئ مهمة بأحكامه، فى مواجهة استبداد مبارك وفساده، وأصدر أحكاما بإلغاء المحاكمات العسكرية للمدنيين، وهو الذى حكم ببطلان عقد مدينتى، والخصخصة وأصدر أحكاما لصالح المعارضة والأحزاب وحرية الرأى والتعبير. وقد استفاد الرئيس مرسى وجماعة الإخوان من هذه الأحكام، ومن القضاء الذى لا يعجبهم الآن، والقضاء أشرف على انتخابات فاز فيها الرئيس مرسى.
خلايا دعم الاستبداد النائمة لا يهمها القضاء ولا تطهيره، وإنما يهمهم أن يكون تابعا للرئيس وجماعته، حتى لو كان فى ذلك تحطيم لمبدأ «الفصل بين السلطات»، وبناء قضاء تابع ينفذ تعليمات ويسمع الكلام، وينضم للسلطة التنفيذية. والحجة مبارك، ومواجهة الثورة المضادة، بينما كان هؤلاء هم أول من يتحالف مع مبارك، وأول من يدعم الثورة المضادة بقضاء مضاد للقانون.