بداية.. أعلم أن كاتب هذا المقال، قد يرمى بسهام العلمنة والتكفير، وبالتالى سيكون من دواعى السخرية أن يقال إن الغيرة على الدين أو بالمعنى الأدق، الغضب من أجله هو الدافع الرئيسى لكتابته بعد أن أصبح الدين رخيصا مركوبا كمطية بلا صاحب.
وأعترف لك بأن تاريخ "ركوب الدين" تاريخ قديم، ولكن كان ظنى أن هذا التاريخ المبكى لابد وأن يواجه حصارا وانحسارا مع إضاءات عقول أصحابه بنور المعرفة التى تنبثق قوية مع إشراقات الألفية الثالثة.
بيد أن مجلس الشورى المصرى أثبت توهمى فى ظنى عندما اتخذ قراره بإباحة التجارة بالدين فى سوق النخاسة / السياسة، فكل فصيل سيجرجر دينه / دينى، ويصلبه على عمود خيمته وينادى عليه الشراة / الناخبون، فمن اشترى فلدينه انحاز، ولجنة ربه آثر، ومن انصرف، فعن دينه فعل، وبالجحيم خاطر.
وسينقسم الناس فى بلدى إلى مؤمنين، يضعون أصواتهم ـ حسبة لله ـ حيث الإسلام المنادى عليه، ونصارى وفجار وعلمانيين ـ مثلى ـ منصرفين عن دينهم لدنياهم، يتشدقون بكلام الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ويتأصل انقسام الوطن ويصبح الشعب بعضه لبعضه عدوا، وأى عداوة!
صديقى.. أليست جريمة أن يساوى المنتسب للإسلام بينه وبين نفسه، عندما يبشر بتطبيقه على يديه التى يستخدمها فى حمّامه؟ (أعتذر عن هذا التعبير الفج.. لكن فجاجة التعبير من فجاجة الفعل).. فالمسلم مهما علا شأنه بشرى والبشرى ناقص معيوب.
كيف يتجرأ بعض منتسبى الإسلام على المخاطرة باسمه بسماويته وكماله فى تجريب أنفسهم، وهم إن لم يفشلوا، فلن ينجحوا النجاح التام الذى يتوازى وتمام الاسم الذى استغلوه؟
أليسوا ـ كما أعتقد وتعتقد أنت ـ يتحركون على الأرض وحدهم بعد انقطاع الوحى، مما يعنى أن جهدهم البشرى الصرف حتما ولا بد سيلحقه النقص؟
كيف يتجرّأون على نسبة النقص ـ مهما قل ـ للدين؟
أليس هذا هو نفسه الذى نهى عنه صاحب المقام الرفيع محمد صلى الله عليه وسلم عندما حذر فى حديث سليمان بن بريدة عن أبيه فى صحيح مسلم، بالقول: "... وإن حاصرت أهل حصن، فإن أرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا [تنكثوا] ذمتكم أهون عليكم من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإن حاصرت حصنا فأرادوك أن ينزلوا على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟".
بهذا الوضوح والقطع ينهى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسلمين عن أن يلطخوا دينهم بأخطاء بشريتهم.. التى هى خطئة خطوءة خطيئة خطّاءة مخطاءة، بصيغ المبالغة الخمس، بغض النظر عن صواب ذلك لغويا من عدمه.
أليس رفع الحظر عن استخدام الشعارات الدينية فى الانتخابات القادمة، هو إباحة صادمة ومؤسفة لما نهى عنه صاحب المقام الرفيع محمد صلى الله عليه وسلم؟
ألا تعتقد معى أن هؤلاء الذين أفردوا سالفة الدين لأصحاب المدى فى مذبح الانتخابات القادمة، يحادون الله ورسوله، ويشوهون دينه.
أليسوا بهذا يصرون ـ بعلم يخالطه تدليس أو بجهل لا عذر فيه ـ على تلطيخ وتقبيح الإسلام؟
لقد أضير الإسلام كثيرا على مدى تاريخه الطويل بسبب منتسبيه، وكنا نظن أنه قد آن الأوان لوقف هذا الضرر بأن ينسب المسلمون تصرفاتهم وما يبشرون به الناس لاجتهاداتهم هم وليس للدين.
ثم لماذا ـ فى ظنك ـ لا يعتمد أصحاب المشروع الإسلامى ـ مع تحفظى على هذا المسمى ـ على برامجهم وذواتهم ومهاراتهم السياسية دون استرقاق الدين واستغلاله، فإن نجحوا فللدين فى نجاحهم نصيب، وإن فشلوا فللدين عن فشلهم منأى؟
ألأنهم أصلا فاشلون؟
والسؤال قبل الأخير.. أى نسخة من الدين المسترق المصلوب مطلوب منا أن ننحاز لها، نسخة البناء والتنمية، أم نسخة الحرية والعدالة، أم نسخة الأصالة، أم نسخة الراية، أم نسخة النور، أم...؟؟
السؤال الأخير..
أنا غاضب.. هل أنت أيضا غاضب؟؟