قصتان عن «الباسوورد».. الأولى عن أسرة تلقت هدية قيمة عبارة عن جهاز منزلى يجمع بين وظيفة التنظيف والتكييف والخلاط، جهاز متعدد الوظائف، يعمل بجهاز كمبيوتر معقد، وعندما بدأت تشغيله، اكتشفت أن الجهاز له مفتاح مرور «باسوورد» ضائع، فلم تستطع تشغيله، وانتظرت شهورا لحين الاتصال بالشركة، والبحث عن امفاتيح الإلكترونية، واكتشفت الأسرة أنها تلقت هدية قيمة مع وقف التنفيذ.
القصة الثانية لعصابة سرقت سيارة حديثة، لكنها كانت معقدة، فعجزت عن تشغيلها لغياب كلمة المرور «باسوورد»، وسقطت العصابة لأنها عجزت عن معرفة أسرار التشغيل.
فكرة الباسوورد أعادتنا إلى ما يجرى فى عالم السياسة، حيث يمكن أن ينجح حزب أو تيار فى الوصول للسلطة، لكنه يعجز عن تشغيلها، لأنه لايعرف «الباسوورد».. فقد نجحت جماعة الإخوان فى تكتيكات اقتناص السلطة، ونجحت فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لكن الجماعة عجزت عن توظيف السلطة فى تفاهمات وخطوات تدفع البلاد للأمام.
وبالرغم من مرور أكثر من عامين على تنحى مبارك، لاتزال القدرة على إدارة البلاد تفتقر لـ«باسوورد»، الأمر الذى يجعل ماكينة الدولة معقدة، والعلاقات بين التيارات والقوى السياسية مرتبكة.. تصل إلى حد الصراع والتصادم. كان هناك تصور بأن هناك أيادى خفية أيام مبارك، تحرص على أن يظل المواطن معلقاً فى ساقية، تمنعه من التفكير خارج الصندوق الضيق، يظل مسجونا فى الزحام والأسعار، والعلاج و«أكل العيش»، والنتيجة أن الحزب الوطنى قضى سنوات، يقرر للمواطن نوابه فى البرلمان، وممثليه فى الحكومة، وما يأكله ويشربه، ويزرعه، وأسعار السلع، وطريقة الحياة. دون أى فسحة للراحة. كانت هناك نظرية «الجماعة السرية» التى تحكم العالم، وتختار قياداته، وفى مصر الأجهزة الأمنية التى تحكم حتى لو كانت لاتدير، وهذه الجماعة كانت تضم قيادات الأمن والأجهزة السيادية، والحكومة تجتمع لتحدد كيفية إدارة البلاد ونوعية الشائعات، والقضايا التى يشغلون بها الناس.
مبارك فى الأيام الأخيرة حاول أن يتمسك بطريقته فى الحكم، لكنه عجز، ربما لأنه أضاع «الباسوورد»، وقال: «على الشعب أن يختار بين الاستقرار والفوضى»، وهى كلمات يفسرها أنصار النظام الحالى بأن نظام مبارك أو فلوله، هم من يلعب اليوم ويثير المشكلات، بينما يراها آخرون أنها كانت آخر محاولة لتخويف الناس من مرحلة انتقالية صعبة، وأنه كان يقول للناس إن الحياة مع مشكلات نظامه، أفضل من أوضاع غامضة.
لكن تبقى قضية «الباسوورد» قائمة، حيث الانقطاع بين الرئيس والحكومة وجماعة الإخوان من جهة، والمعارضة والتيارات الأخرى وقطاعات من الشعب من جهة أخرى.
والفرق بين رئيس أو سياسى ناجح، وآخر عاجز أو فاشل، هو القدرة على معرفة الباسوورد، فى النظم الديمقراطية، لاتكون مفاتيح المرور كلها فى يد واحدة، وإنما يحل مكانها النظام متعدد الأطراف، وتتوزع المسؤولية بشكل لايجعل القرار مركزياً وفردياً.
وفى حالة مصر الآن، هناك شعور بغياب أو ضياع «الباسوورد». أو أن الجماعة والرئيس مازالوا يديرون بنفس طريقة مبارك، غير قادرين على قراءة الإشارات التى يقدمها له الواقع، معتقدين أن «الباسوورد القديم» لايزال يصلح لواقع جديد.