منذ أيام خرج علينا د.عصام العريان بتصريح أكد فيه أن إيران لا تسعى إلا لحماية رعاياها، وأن المد الشيعى ما هو إلا خداع وأوهام غير حقيقية، وأصر أن إيران لم تنجح قط فى تغيير معتقد أى دولة سنية، أو نشر وتصدير مذهبها الرافضى. والحقيقة أن تصريحات زعيم الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم لا يمكن أن تمر مرور الكرام، خصوصا أنها قد تفسر الكثير من القرارات والمتغيرات الأخيرة. العجيب أن كلام الدكتور العريان والخطوات التطبيعية الواضحة التى يتخذها النظام الحالى تجاه دولة الروافض لا تمثل فقط مخالفة واضحة للآراء والتصريحات والوعود التى قطعوها أثناء الانتخابات، ولكنها أيضا تخالف واقعا ظاهرا كالشمس فى رابعة النهار لكل متابع للسياسة الإيرانية التوسعية، التى لا تنفصل بحال من الأحوال عن التوجه العقدى الذى بدأ بعد تمكن الثورة الخمينية، وقرار التصدير الأيديولوجى الذى تم تفعيله بوضوح فى دول الجوار الخليجية والشام وبعض دول المغرب العربى وحتى بعض دول أفريقيا وأقاصى آسيا. ذلك الواقع الذى أقره وحذر منه الدكتور القرضاوى عام 2008 فى تصريحاته الشهيرة ضد المد الشيعى، وكذلك فى مراجعات الشيخ سعيد حوى الأخيرة عن الخمينى، ولا يخفى ما لهذين الشيخين من ثقل تاريخى فى جماعة الإخوان التى ينتمى إليها الدكتور وحزبه، كما أنهما كانا من محسنى الظن فى البداية بتوجه الدولة الرافضية، ثم عادا أدراجهما بعد بحث وتأمل ليؤكدا حقيقة الفكرة التوسعية ذات الانحراف العقدى التى تسيطر على إيران.
والناظر فى التغيرات الديموغرافية والتوازنات السياسية والنفوذ الإيرانى المتصاعد منذ اندلاع الثورة الخمينية إلى اليوم فى دول كالبحرين والكويت وسوريا واليمن والعراق ولبنان والأردن وأفغانستان وتركيا والمغرب وتونس بل حتى إندونيسيا وجزر القمر وغانا وغيرها كثير، يجد المنحنى الشيعى يرتفع بشكل مطرد وملحوظ، حتى صارت بعض تلك الدول ذات أغلبية شيعية حقيقية. ولنفترض جدلا أن إيران فعلا لم تنجح فى تغيير عقائد الشعوب المستهدفة كما يقول الدكتور العريان، فهل ينافى ذلك حقيقة حرصها وبذلها المحموم للوصول لتلك الغاية؟ هل ينافى ذلك أطماعها التوسعية وأهدافها الاستراتيجية وحرصها على بسط نفوذها السياسى داخل الدول العربية والإسلامية التى جعلت بعض الدول العربية بعد عمل دؤوب فى داخلها تصير مجرد ولايات إيرانية تدار بكلمة أو إشارة من طهران أو فى الحقيقة من عتبات النجف وقُمّ؟ المشكلة ليست فى تصريحات الدكتور عصام المستهينة بشكل واضح بأمور مسجلة ومعلومة للقاصى والدانى، ولكن فيما وراء هذه التصريحات وغيرها من تبرير لتلك الخطوات التطبيعية التى يتخذها النظام الحالى تجاه إيران، التى تنذر بعواقب وخيمة قد تؤدى لخلخلة حالة السلم العقدى فى مصر السنية التى ليست بحاجة لمزيد من الطائفية. إن وعود الدكتور مرسى وحزبه إبان الانتخابات تراودنى وأنا أسطر هذه الكلمات، وأتذكر أنه لم يحدث تغيير فى السياسة الإيرانية الدموية تجاه سوريا والأحواز وغيرها من المناطق الملتهبة يجعل الإخوان يقبلون هذا التطبيع، فما الذى تغير اليوم؟ كما أن توقيت تلك المعركة الفكرية فى غاية الخطورة ونحن فى ظل حالة من السيولة الفكرية التى تعقب الثورات، التى صاحبها فى حالتنا انخفاض ملحوظ للثقة بأهل الذكر على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم، بسبب أخطاء داخلية أو تشويه ممنهج أدى إلى حالة من الجدب الدعوى نحاول الخروج منها جاهدين، ولا ينقصنا فيها الآن مثل تلك المواجهة وإن كان هذا لا يمنع أننا سنتصدى لها بحول الله وقوته، معلوم أن الحجة تقارع بالحجة، والبيان يواجه بالبيان، لكن ما يؤسفنى بشدة هو أن يضطر المصريون لمواجهة مزيد من الشبهات والصراعات العقدية والفقهية كانوا فى غنىً عنها، وكان من واجب الرئيس أن يحرص على وقايتهم إياها، خصوصا أنه يعلم أن من أهم واجبات الحاكم فى الإسلام الحفاظ على دين ودنيا أمته التى استرعاه الله عليها ولا أعتقد أنه كان سينال كثيرا من أصوات المصريين لو أنه صرح بتلك النية أو أبدى استعداده لها. فلتتق الله يا دكتور مرسى، فوالله ما على هذا انتخبناك ولئن جاء اليوم الذى يسب فيه أصحاب وأزواج رسولنا فى بلادنا فباطن الأرض حينئذ خير لنا من ظاهرها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة