ناجح إبراهيم

إلى الإسلاميين: دوروا مع العلة حيث دارت

الثلاثاء، 30 أبريل 2013 03:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحتاج الحركة الإسلامية أن تزاوج بين النص الشرعى والواقع العملى تزاوجاً صحيحاً لا يخل بأحدهما.. فلا تترك النص الشرعى تحت ضغط الواقع.. ولا تهمل الواقع تحت دعوى أن إعمال النص هو أصل كل شىء.

فالنص الشرعى لا يعمل فى فراغ، كما أن نصوص القرآن والسنة فى المعاملات والأحكام لها علة وحكمة وهى تدور مع هذه العلة وجودا ً وعدماً.. فإذا وجدت العلة وجد الحكم الشرعى وإذا عدمت العلة أو غابت غاب معها الحكم الشرعى.

صحيح أن العبادات لا تخضع لهذه القاعدة ولكن المعاملات كلها تخضع لها ووجود العلة فى واقع الحياة وإدراكها والاهتمام بها يفيد نصوص الشريعة ويكتب لها الخلود فلولا العلة والقياس عليها ما حرمت المخدرات.. لأنه لا يوجد لها حكم مستقل فى القرآن أو الأحاديث الشريفة.. ولكن اتحاد المخدرات والخمر فى علة التحريم جعل الحكم مشتركا ً بينهما. وآفة بعض الحركات الإسلامية اليوم أنها تنظر إلى ظاهر النصوص وتتمسك بحرفيتها دون أن تكلف نفسها أن تتعمق فى مغزاها ومعناها وتدرك مقصودها الذى رمت إليه الشريعة الغراء.
فهل يجوز اليوم مثلا ً ألا يصطحب المسلمون المصاحف والكتب الدينية إذا ذهبنا إلى أمريكا أو بريطانيا أو الصين أو فرنسا أو اليابان بحجة ما رواه الشيخان عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه نهى «أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار».

وهذا هو الظاهر المتبادر من أمر النبى صلى الله عليه وسلم إذا لم ننظر إلى علته وهل هذه العلة موجودة الآن فى عالم اليوم، أم أنها تغيرت عن ذى قبل؟ فالعلة من هذا النهى النبوى الشريف هو الخوف من الاستهانة بالمصحف أو أن يناله أحد منهم بسوء.. وهذا كان يحدث للمصحف الشريف فى بعض بلاد غير المسلمين فى الأزمان الماضية. فإذا انتفت العلة انتفى الحكم.. وهذا ما حدث فى هذه الأيام.. إذ يصطحب المسلمون المصاحف إلى كل الدنيا ومعها كل الكتب الدينية الأخرى.. ويفعل ذلك أصحاب الديانات الأخرى إذا جاءوا إلى بلاد المسلمين.. فالحكم يدور من علته وجودا وعدما. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصى فى حروبه للفارس بثلاثة أسهم والراجل «المشاة» بسهم من الغنيمة فى الحروب.. وهذا الحكم كان مناسبا لتشكيل وتكوين الجيوش أيام الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة.. حيث كان الفارس يأتى بالفرس وسلاحه وعدته من ماله الخاص. أما الآن فالجندى يذهب إلى الجيش دون أن يستخدم حتى ملابسه العادية.. فالسلاح والذخيرة والمعدات والملابس والطعام من ميزانية الجيش. والفارس وفرسه قديما كان يساوى الدبابة والمدرعة الآن.. وسورة «العاديات» تعبر عن سلاح الفرسان قديما ً والمدرعات حديثا لأن بينهما نفس الخصائص تقريبا. ولهذا فإن هذا الحكم قد انتفت علته فى واقع الجيوش الحديثة.

وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى فى الصحيح أن «تسافر المرأة بغير محرم». وفى رواية «ألا تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذى محرم». وعلة النهى فى الأمر النبوى الشريف واضحة وذكرها العلماء كثيرا وهى الخوف عليها من أخطار الطريق فى الصحارى الشاسعة إذا لم يكن معها رجل من محارمها يحميها ويحول بين أن تلوك الألسنة سمعتها بالقيل والقال. فالعلة هو عدم الأمن.. فإذا توفر فى السفر الأمن وعدم الخوف كما حدث الآن بعد أن تطورت وسائل وطرق السفر وأصبحت الطائرات تنقل الإنسان من دولة إلى أخرى فى عدة ساعات وتحوى المئات من الركاب ويودعها المحرم فى مطار ويستقبلها الآخر فى مطار آخر. ولذلك أجاز الفقهاء المحدثون سفر المرأة الآن للحج أو العمرة أو غيرها من الأغراض المباحة مثل العمل أو طلب العلم إذا كانت فى رفقة آمنه من النساء فساروا مع علة الحكم وداروا معها ولم يدوروا مع ظاهر النص لأن الحكم يدور مع علته وجودا ً وعدما.

إن التزاوج بين النص وعلته فى المعاملات والعادات والجمع الصحيح بين النص «الواجب الشرعى» وبين «الواقع العملى» هو سر خلود الشريعة وبقائها وحيويتها وقبول الناس لها وللدعاة الذين يحسنون هذا الجمع. فهل ندرك ذلك؟!.. أم سنظل نتعامل دوما ً مع ظاهر النصوص دون التعمق فى علتها وأسبابها ؟! ومتى نستطيع حقا ً الجمع الصحيح بين الواجب الشرعى والواقع العملى جمعا لا يخل بأحدهما؟!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة