يقول الشيخ الحبيب على الجفرى، الوحيد ضمن قلائل نجوا بعلمهم وحفاظهم على مسارهم الدعوى المعتدل من فخ الربيع العربى الذى سقط بسببه شيوخ ورجال الدين فى وحل السياسة الذى خلع عنهم وقار الشيوخ، وقدسية رجل الدين: «إخوتى.. أخاطب فى قلوبكم بقية ما لم تقض عليه السياسة من دين، لله تعالى ولمستقبل الإسلام دعوا الأزهر وشأنه».
رسالة الحبيب الجفرى أوضح من أن تحتاج إلى شرح، هى فقط تحتاج إلى قلوب لم تلوثها مطامع السياسة، وغطرسة السلطة، والرغبة فى الاستحواذ ومضاعفة مناطق النفوذ. لا رغبة لى فى الحكى عن أى محاولات لهدم الأزهر أو السيطرة عليه، الأمر نفسه يبدو لى بديهيا، سواء كان الراغب فى تحقيقه إخوانا أو سلفيين أو سلطة أو قوى خارجية أو الشيطان نفسه.. أنا فقط أشعر برغبة فى الحكى عن الأزهر وعما يدور حوله وداخله، ولتفهم أنت من الكلام ما تفهم..
عمره يتجاوز 1070 عاما مما تعدون، وآثاره السياسية والاجتماعية والتاريخية والدينية على مصر والعالم العربى والإسلامى لا يقدرها زمن ولا تثمنها خزائن قارون، إذا فتحت أبوابه للعلم والبحث فتحت مصر عقلها للعالم والمستقبل، وإذا هدموا أروقته وعطلوها عن العمل لخدمة سلطان أو نظام، نام عقل مصر، وأصيبت روحها بالخلل.
نحن فى مصر لا نراه مسجدا تضمنا أسواره وقت أداء الفريضة، أو أروقة تمنحنا بعضا من عبق الماضى، أو جامعة تمنح أولادنا بعضا من الشهادات.. نحن السائرين فى شوارع المحروسة نرى الأزهر ونؤمن بأنه قلب مصر النابض، إذا ارتبكت عملية نبضه يتداعى باقى الجسد المصرى، وكم من سنوات طويلة مرت على القاهرة وهى راقدة فى فراش التخلف والجهل والمرض بسبب توهان الأزهر وضعفه وصمته وإنهاكه، نتيجة لمحاولات السلطة لإخضاعه، ومحاولات الخارج المتواصلة لاختراقه وتدميره.
نحن فى مصر ندرك تماما أن تاريخ نهضة هذا الوطن وسنوات صحوته ونضاله يربطها شريان وثيق بصحوة الأزهر وحريته. الخبرة التاريخية المكتسبة من حكايات ووقائع العالم الإسلامى تقول إن مجتمعاتنا تقدمت عندما كان علماء الإسلام وسطيين مستنيرين لا يهدفون من دعوتهم الدينية والاجتماعية إلا خدمة الله ثم الوطن، وكل حركات التحرر الوطنى والنهضات السياسية خرجت بالضرورة من عباءة نهضة دينية وتطور ملحوظ فى الخطاب الدينى، وكثيرا تحت رعاية شيوخ أزهريين ورجال دين مفكرين يختلفون كلية عن هؤلاء الذين يظهرون لتسلية الناس على شاشات الفضائيات بالفتاوى والاتصالات الهاتفية والمعارك اللفظية.
فى عصر هذا النوع من العلماء المفكرين قاد الأزهر المقاومة الشعبية ضد الحملة الفرنسية، وشارك شيوخه وعلماؤه فى الجهاد ضد الاحتلال الإنجليزى، وتشهد السنوات الطويلة على مواجهات حقيقية خاضها شيوخ الأزهر ورجاله ضد السلاطين والرؤساء، ولعل أشهرها فتوى الإمام شمس الدين الإنبابى بعدم صلاحية الخديو توفيق.
تاريخ الأزهر به الآلاف من الصفحات التى ترصد وقائع نضال يكفى لصياغة وصناعة تاج فخر وتقدير فوق رأس مصر، ولا أنا ولا أنت فى حاجة إلى مزيد من الأبحاث لكى نزداد يقينا بأن صحوة مصر ونهضتها لن تتم إلا بصحوة الأزهر وحريته، التاريخ أثبت تلك المعادلة أكثر من مرة.. فهل آن أوان دراستها والاستفادة من نتائجها؟
البعض من هؤلاء الذين انطبعت فى أذهانهم صورة الأزهر الخاضع للسلطة، وبعض شيوخه الذين جرفهم تيار شهوة الظهور الفضائى فانطلقوا ليلحقوا به عددا من الفتاوى الغريبة والمتشددة، ربما يزورهم شك فى نتائج تلك المعادلة التى يقول ناتجها إنه لا نهضة فى مصر دون تحرير للأزهر من قبضة السلطة، وهؤلاء أسرى السنوات الأخيرة التى ظهر خلالها الأزهر - الجامع والجامعة والمشيخة - خاضعا للنظام الحاكم وأسير قوانينه، وحتى يتخلصوا من سنوات الأسر هذه عليهم العودة إلى التاريخ، حيث الحقيقة الكاملة التى تقول إن المؤسسة الدينية الرسمية فى مصر سقطت أحيانا فى بئر الضعف، وفى أحضان السلطة بسبب ضعف شيوخها، وعدم قدرتهم على قراءة وفهم الواقع السياسى، وفى بعض الأحيان لأن القمع السلطوى كان أقوى من أن يواجهه الأزهر وشيوخه منفردين فى ظل تخلى القوى السياسية المدنية عنه، بل والمساهمة فى طعنه وإرباكه مثلما حدث طوال سنوات حكم حسنى مبارك.
.. وغدا جولة أخرى من الكلام عن الأزهر وأهله وصحوته.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة